ثانيا بالنار المنطفئة ولم يبق منها إلا جمر منطفىء لا نفع فيه ولا قابلية لشيء من النفع منه فلا ترى إلا أشلاء متناثرة وأجزاء متفرقة قد تمددت وقدران عليها البلى.
٣- الاستعارة المكنية في قوله «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق» فقد شبه الحق والباطل وهما معنويان بشيئين ماديين محسوسين يقذفان ويدفعان ثم حذف هذين الشيئين واستعار ما هو من لوازمهما وهما القذف والدمغ لتجسيد الاطاحة بالباطل واعتلاء الحق عليه وتصوير إبطاله وإهداره ومحقه كأنه جرم صلب كصخرة أو ما يماثلها في القوة والصلابة قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه وهي من استعارة المحسوس للمعقول وقد تقدم بحث ذلك مفصلا مع استيفاء أقسام الاستعارة بالنسبة لطرفي التشبيه.
٤- قوة اللفظ لقوة المعنى: وقد تقدم الكلام عن هذا الفن ونعني به نقل اللفظ من وزن الى وزن آخر أكثر منه ليتضمن من المعنى الدال عليه أكثر مما تضمنه أولا لأن الألفاظ أدلة على المعاني وأمثلة للابانة عنها فاذا زيد في الألفاظ أوجبت القسمة زيادة المعاني وهذا الضرب من الزيادة لا يستعمل إلا في مقام المبالغة وهو هنا في قوله تعالى «وَلا يَسْتَحْسِرُونَ» فقد عدل عن الثلاثي وهو حسر الى السداسي وهو استحسر وقد كان ظاهر الكلام أن يقال يحسرون أي يكلون ويتعبون، لأن أقل ملل منهم أو كلال إزاء الملائكة وإزاء عبادتهم لله سبحانه لا يتصور منهم ولكنه عدل عن ذلك لسرّ يخفى على النظرة السطحية الأولى وهو أن ما هم فيه من انهماك بالعبادة وانصراف بالكلية لها يوجب غاية الحسور وأقصاه.