هذا ولعلك تعجب من هذه الأبيات تنضح بالإيمان العميق وتصدر عن رجل كأبي نواس لم يظلمه الذين اتهموه ولم تعوزهم الأدلة على اتهامه بالفساد ولكنهم ظلموا الفلسفة فظنوها مدرجة المطلعين عليها الى الزندقة ومذاهبها، ولا زندقة هنا عند أبي نواس ولا مذهب غير المجون وحب الظهور، ولقد كان ابراهيم النظام من أعلم أهل زمانه بما يسمونه علوم الأوائل وكان أبو نواس يحضر عليه فينهاه عن التبذل ويذكره بالوعيد ويقول له: إن من ترقب وعد الله فعليه أن يحذر وعيده، فلا يرعوي عن لغوه ومجونه حتى يئس منه فطرده من مجلسه، فنظم فيه قصيدته التي اشتهرت بالابراهيمية ومطلعها مشهور متداول:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
وفيها يسخر من النظام:
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة ... حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
لا تخطر العفو إن كنت امرأ حرجا ... فإن خطرك بالدين إزراء
فأبو نواس لم يكن سوى ماجن مستهتر وقد كان المجون في