للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ، وَلَوْ أَعْرَبَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إِنَّ النَّائِبَ عَنِ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ " يُنْظَرُ "، " وَأَسَافِلُهُ " مَرْفُوعٌ بِالْوَصْفِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ اسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى حَدِّ: زَيْدٌ يُصْبِحُ مَضْرُوبًا غُلَامُهُ، وَكَذَا الْمِصْرَاعُ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَعَ إِمْكَانِ هَذَا الْوَجْهِ فَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ. وَلِهَذَا الْوَجْهِ قَادِحٌ خَفِيٌّ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي قَالَهُ الرَّادُّ فَلَا وَجْهَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ صُرَاحٌ، وَالْقَدْحُ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيرَ: يُنْظَرُ أَسَافِلُ الْإِنْسَانِ حَالَ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مَنْكُوسًا، وَهُوَ يُنْظَرُ بِجُمْلَةِ أَسَافِلِهِ وَأَعَالِيهِ مَعًا؟ وَأَيْضًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ التَّشْبِيهُ الَّذِي عُقِدَ الْبَيْتُ لِأَجْلِهِ، وَأَيْضًا فَالنَّكْسُ قَلْبُ الْأَعْلَى أَسْفَلَ لَا عَكْسُهُ الَّذِي قَرَّرَهُ هَذَا الرَّادُّ وَهُوَ قَلْبُ الْأَسْفَلِ أَعْلَى، فَذَاكَ يُسَمَّى رَفْعًا لَا نَكْسًا ; فَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّاعِرُ فِي الرَّأْسِ بِمَنْكُوسٍ وَفِي الرِّجْلِ بِمَرْفُوعٍ، وَلَوْ كَانَ مَا قَرَّرَهُ هَذَا الرَّادُّ كَانَتِ الْعِبَارَةُ: فَالْإِنْسَانُ، أَوْ فَالرَّأْسُ، أَيِ الْإِنْسَانُ يُنْظَرُ مَرْفُوعَةً أَسَافِلُهُ، وَأَيْضًا فَجَعْلُ " مَنْكُوسًا " حَالًا مِنَ الرَّأْسِ يُقْدَحُ فِيهِ بِأَمْرَيْنِ: كَوْنُهُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ، وَأَكْثَرُ النُّحَاةِ عَلَى مَنْعِهِ، وَكَوْنُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَامَ عَلَى الْغَدِيرِ يَكُونُ لَهُ حَالَتَانِ: حَالَةٌ يَكُونُ فِيهَا مَنْكُوسًا وَحَالَةٌ لَا يَكُونُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْكُوسًا، وَالْأَصْلُ فِي الْحَالِ الِانْتِقَالُ، فَإِذَا جُعِلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرٍ يُنْظَرُ خَلَا مِنْ هَذَا الْقَادِحِ، وَاسْتِعْمَالُ الرَّأْسِ هُنَا بِمَعْنَى الْإِنْسَانِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِفَسَادِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ التَّشْبِيهِ الَّذِي سَاقَ الشَّاعِرُ الْكَلَامَ لِأَجْلِهِ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِالرِّجْلِ تَأْبَى ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُنَا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ. وَأَمَّا عَدَمُ الْقَرِينَةِ وَالتَّنْظِيرُ بِ " رَأَيْتُ رَأْسًا " فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ فِي جَوَابِ ذَلِكَ: صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَضْعِ فِي الْمَجَازِ فَكَلَامٌ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ، وَلَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَقْصُودِ، وَهَذَا الْبَيْتُ لَا تُؤْخَذُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ، بَلْ مِنْ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَتَوَابِعِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ وَالْإِنْشَاءُ وَالتَّرَسُّلُ وَنَقْدُ الشِّعْرِ:

وَلِلْعُلُومِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا ... وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابُ

مَسْأَلَةٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَثِيلِ وَالشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ؟

الْجَوَابُ: الْمَثِيلُ أَخَصُّ الثَّلَاثَةِ، وَالشَّبِيهُ أَعَمُّ مِنَ الْمَثِيلِ وَأَخَصُّ مِنَ النَّظِيرِ، وَالنَّظِيرُ أَعَمُّ مِنَ الشَّبِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَسْتَلْزِمُ الْمُشَابَهَةَ وَزِيَادَةً، وَالْمُشَابَهَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُمَاثَلَةَ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شِبْهُ الشَّيْءِ مُمَاثِلًا لَهُ، وَالنَّظِيرَ قَدْ لَا يَكُونُ مُشَابِهًا، وَحَاصِلُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْمُشَابَهَةَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي أَكْثَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>