أخبرني جماعة من أبي علي الغساني قال: سمعت القاضي أبا القاسم سراج ابن عبد الله يقول: شهدت مجلس القاضي أبي المطرف بن فطيس وهو يملي على الناس الحديث ومستملٍ بين يديه، وكان له ستة وراقين ينسخون له دائما، وكان قد رتب لهم على ذلك راتبا معلوما، وكان متى علم بكتابٍ حسنٍ عند أحد من الناس طلبه للابتياع منه وبالغ في ثمنه. فإن قدر على ابتياعه وإلا انتسخه منه ورده عليه.
أخبرني حفيده أبو سليمان أنه سمع عمه وغير واحد من سلفه يحكون أن أهل قرطبة اجتمعوا لبيع كتب جده هذا مدة عام كامل في مسجده في الفتنة في الغلاء، وأنه اجتمع فيها من الثمن أربعون ألف دينار قاسمية.
وأخبرنا أيضا: أن القاضي جده كان لا يعير كتابا من أصوله البتة، وكان إذا سأله أحد ذلك وألحف عليه أعطاه للناسخ فنسخه وقابله ودفعه إلى المستعير فإن صرفه وإلا تركه عنده.
وتقلد قضاء الجماعة بقرطبة يوم الخميس ثلاثٍ خلون من ذي الحجة من سنة أربع وتسعين وثلاث مائة. مقروناً بولاية صلاة الجمعية والخطبة مضافا ذلك كله إلى خطته العليا في الوزارة، فاستقل بالعمل، وتولى الخطابة ولم يستقصر في شيء من عمله، وذلك في أيام المظفر عبد الملك بن أبي عامر قيم الدولة، ثم صرف ابن فطيس عن القضاء والصلاة يوم السبت لخمس خلون من شهر رمضان المعظم سنة خمس وتسعين وثلاث مائة. وكانت ولايته للقضاء، والصلاة تسعة أشهر ويومين. وكان مشهورا في أحكامه بالصلابة في الحق، ونصرة المظلوم، وقمع الظالم، وإعزاز الحكومة. له بذلك في الناس أخبارٌ مأثورة.
حدث عنه من كبار العلماء أبو عمر بن عبد البر، وأبو عبد الله بن عائذ، والصاحبان وابن أبيض، وسراج القاضي، وأبو عمر بن سميق، والطلمنكي، وحاتم بن محمد، وأبو عمر الحذاء، والخولاني، وأبو حفص الزهراوي وغيرهم. وجمع كتبا حسأنا منها: كتاب القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن في نحو مائة جزء ونيف. وكتاب