يعتبر عبد الله النديم نتاج العصر الصاخب الذي ولد فيه عندما كانت مصر تتعرض لغزو إمبريالي لم يشهد تاريخها له مثيلاً، سقطت بمقتضاه في قبضة الأوربيين من الناحية الاقتصادية والمالية، وأصبحت مستعمرة من قبل أن تطأها قدم غاز أجنبي! في الوقت الذي كانت تظهر فيه حركة وطنية نشطة تقودها طبقة نامية من كبار الملاك الذين منحهم محمد على حق الملكية الخاصة لأول مرة في تاريخ مصر الطويل، وأصبحوا يتطلعون إلى الحكم الدستوري كخير وسيلة لحماية أنفسهم من الاستبداد والاستعمار. وقد استطاعت هذه الطبقة بالفعل أن تحقق انتصاراً كبيراً عندما قدمت -بموافقة الخديو إسماعيل- أول مشروع لدستور نيابي برلماني كامل لمجلس شورى النواب على يد وزارة شريف باشا في ١٧ مايو ١٨٧٩. ولكن الوصاية الأجنبية أدركت الخطر على مصالحها من انتقال السلطة من يد حاكم مطلق إلى يد طبقة، فقررت خلع إسماعيل قبل إقرار الدستور, وأتت بالخديو توفيق الذي قرر إيقاف الدستور، وأخذت وزارته التي كان يرأسها رياض باشا، والتي كانت خاضعة كلية للوصاية الأجنبية، في تعقب نشاط الزعماء الدستوريين وتشديد الوطأة عليهم بالمراقبة والتهديد والنفي والسجن، حتى هددت تماماً بتصفية الحركة الوطنية.
وقد جرى كل ذلك في الوقت الذي كان الجيش المصري يتحرك بالثورة بسبب سيطرة العناصر الشركسية عليه، وبسبب محاولات تحجيمه من قبل الوصاية الأجنبية. وقد استطاعت مظاهرة ١٨ فبراير ١٨٧٩ العسكرية أن تسقط الوزارة الأوروبية الأولى بموافقة الخديو إسماعيل، وعندما أرادت حكومة رياض بعد عام كامل القبض على عرابي وعلي فهمي وعبد العال حلمي وسجنهم في قصر النيل, قام البكباشي محمد عبيد بهجوم خاطف على الديوان ألقى به الرعب في قلوب الحكام الشراكسة، وأطلق سراح الضباط، وأصبح الصراع منذ ذلك الحين سجالاً بين القوى الوطنية -المدنية والعسكرية- من جانب, وبين رياض والوصاية الأجنبية وتوفيق من جانب آخر،