للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- ١٣ -

من فضيلة أو مكرمة مما نسبته إلى العرب فلا تصدقني ولو حلفت لك.

[غفلة التقليد]

بنى أحد حمير الأموال بيتاً وزخرفه وملأه بالفرش والكراسي والمنصات الثمينة ثم صنع وليمة عظيمة لبعض أحبابه عند انتقاله إليه وكان في جملة المدعوين رجل من النبهاء فلما انتهى بهم المجلس أخذ يقص عليهم سبب بناء هذا البيت ومقدار ما صرفه فيه وما قاساه من مماطلة العمال ومعاكسة الزمان وشرح لهم بيان ما فيه من الأثاث والمتاع حتى انتهى إلى خزانة كتب فقال واشتريت هذه الخزانة بألف قرش وأخذت هذه الكتب بمائة جنيه بواسطة أحد العلماء الأفاضل.

فقال له النبيه: أظنك مغرماً بأشعار العرب لتقف على أحوالهم ووقائعهم الشهيرة وحماستهم التي كانوا عليها والغيرة التي خصوا بها والحمية التي نشأوا فيها والأمانة التي امتازوا بها والعزة التي بها يعرفون والكرم الذي به يمدحون والرفاه الذي به يمتازون والشجاعة التي عليها يتدربون والحكمة التي بها يولدون والبلاغة المقصورة عليهم والفصاحة المنسوبة إليه والسياحة التي امتازوا بها والرحلة التي ألفوها وتعلم ما في منشآتهم من التشبيهات الغريبة والمعاني البديعة والتصور العجيب والاقتدار المفحم والسلاسة اللفظية والرقة المعنوية والتراكيب الآخذة بالعقول والتفنن الدال على قوة ذكائهم وغزارة مادتهم وصفاء عقولهم فإن ذلك كله في أشعارهم يشهد به الشرقي ويعترف به الغربي ولا ينكره إلا من انتزعت منه الإنسانية وجذبته الجنسية فألقته في مهواة الحقد والكبرياء فأصبح لا يعرف إلا السفه ولا يميل إلا إلى القبائح ولا يتمدح إلا بجنسه وإن كان مذموماً صفة المائل بطبعه إلى الشهوات البهيمية البعيد بذاته عن مظاهر الإنسانية.

فقال رب الدار: ليس فيها من أشعار العرب ولا نثرهم شيء.

قال النبيه: أظنك مشتغلاً بمطالعة التاريخ لتعلم كيف كان بدء الوجود وانتشار الإنسان وكيف تعلم الإنسان الصنائع وأدرك المعارف وتقف على مخترعي الصنائع وما لاقوه من ابتداعها ومؤسسي الممالك وما عانوه فيها من الحرب والغربة والأسفار الشاقة وما نابهم من فقد الكثير من الأرواح والألوف من الشجعان وما سهروا في حفظه من تربية أيتام أكلت الحرب آباءهم وحفظ أرامل حال الموت بينهنّ وبين أغراضهنّ وما تعبوا في جمعه من أموال يصرفونها في صيانة الأمم وعمار الأوطان وشراء السلاح وآلات الدفاع وتهذيب الأطفال وتدريب الشبان وتحنيك الشيوخ وتبحث في التواريخ على تاريخ قومك وأهل

عشيرتك لترى نفسك في أي جنس وجدت وفي أي أرضٍ ولدت فإذا تحققت الجنسية وعلمت نشأة عصبيتك التي بها صح انتسابك وعرف عنوانك سرّحت نظرك في أخبارها وتتبعت سيرها في