ما اصدق الاحلام عند اهل السرائر الطاهرة وما احسن التعبير من الخبير بها وقد كنا في نومه ختم الظلم فيها على قلوبنا وعلى اسماعنا والبس الاستتبداد بصائرنا غشاوة لا نبصر معها حقيقة ولا نعرف حقاً وكانت ارواحنا في كهف الخوف نسرح في ظلمة لا نور فيها وتجول في مضيق لاباب له فكان يحدث عنا من يمر بنا حديثه عن الاموات ويقول لساءله هم العمد المتحركة بارادة مالكها تراهم ينطقون ولكن بلسان العبودية ويمشون ولكن في طريق الاستعباد ويخضعون ولكن لسيف الاذلال.
تظنهم احراراً وهم عبيد وتحسبهم ايقاظاً وهم رقود. يجتمع اللفيفمنهم بالاشارة ويتفرق الجيش بالايماء ان طلبوا حقاً ظلموا وان دافعوا عن مال ابعدوا وان اشتكوا حاكماً سجنوا يكسبون الكثير من النقد وهم فقراء ويصنعون الثياب وهم عراة حفاة لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً
ومن كان في سوق العبيد مقامه ... تملكه بالبيع من يهب النقدا
وبينما هم تحت ردم الاستبداد نائمين على فراش الظلم ملتحفين الخسف دارت ارواحهم في الوجود فرأت شمس العل مشرقة على كثير من الناس وبدور الحرية تضيء سماء وجودهم والكل متمتع بحقوقه حافظ لشرفه لا يعرف الذل ولا يرضى الاهانة ولا يخضع لظالم ولا يمكن غريباً من ارضه ولا يضيع شيئاً من واجباته وقد عمتهم النعم وشملهم العلم وحفت بهم المحاسن من سائر الانحاء ان انصفوا خضعوا وان حوكموا عرفوا القوانين وان اجتمعوا تذاكروا في امورهم وان احتفلوا خطبوا بسياسة الامراء وحقوق البلاد وان كتبوا اعربوا عن ضمائرهم ومستكنات الصدور عرفهم الحق واجباتهم فحافظوا عليها ولقنهم العل حقوقهم فتمتعوا بها وهدتهم الحرية للمدنية فاحسنوا نظامها وقادهم الاخاء الى التساوي فوقف كل عند حده وعامل اخاه بما يقتضيه مقامه فلا يهان شريف ولا يمتهن عظيم ولا يحتقر فقير ولا يغبن اجبر ولا يذل خادم ولا يشتم تابع فقد حنكتهم الاداب وهذبتهم العدالة وتدربوا باطلاق حرية الافكار على الاعمال السياسية والاشغال التجارية والنظامات الادارية فاصبح الجميع جنة قطوفها دانية لكل متناول
ومن سار في ارض الاخاء رأيته ... يجد بنور العدل في طلب المجد
فلما عادت الارواح السارحة الى الاجسام الهامدة تفلت عن يسارها ثلاثا ً واستعاذت بالله من هذه الرؤيا الغريبة وسألته تعالى ان يصرف عنها شرها وبحفظها من وقوعها فان اجسامها لم تعرف لوجودها ثمرة غير خدمة الارض وتسليم ربعها لسيدها يصرفها في شهواته ورضيت بالذل رضاء وطدته الطالم واكده مر