المهذب: هكذا تكون حال من لم يتهذب صغيراً فإنه يخرج أسير شهواته بعيداً عن إدراك لمعاني جباناً بليداً غبياً ولكن قد كسفت شمسكم وظهرت أنوار المعارف والآداب وأصبحت الحكومة في جد واجتهاد تقدم بهما رجالها وتبعثكم من قبور الغفلة إلى جنات المعارف والأمة تبيت تبحث عن أسباب تأخيرها وما يوجب تقمها فهي والحكومة يد واحدة في إحياء الوطن وتوسيع تجارته وتأييد كلمته ولا نلبث أن نرى البيوت والمجامع كلها محافل آداب ومجالس أبحاث وتصبح الأطفال تبحث في حال من تقدمها وتعجب من جبن آبائها وسعيهم في إعدام المعارف بما ألفوه من اللهو والبطالة وفساد الأخلاق وما كانوا يفعلونه من القبائح والرذائل في سهرة الانطاع.
[تخريفة]
الجنون فنون
جلس أحد المحتالين على قهوة وأخذ يقرأ أكاذيب سماها قصة عنترة فاجتمع إليه عدد كثير من الرعاع والهمج الذين ولعوا بسماع الأكاذيب والخرافات فلما رآهم منصتين إليه أخذ يفتري عبارات ينسبها إلى عنترة وكلمات يعزوها إلى عمارة وقد افترق القوم فريقين وكل فريق يدفع لهذا المحتال نقوداً ليؤيد مشربه ويتمدح بمن يميل إليه والمحتال مجدٌّ في التخريف متفنن في الكذب حتى قرب الفجر فقال وبينما هم في قتال ونزال وقد انكشف الغبار عن أسر عنترة وسنخلصه في الليلة القابلة فقال له أحد المجانين لابد أن تخلصه الآن وخذ عشرة جنيهات وعلت أصواتهما بالقبائح وآل الأمر إلى الضرب والإهانة ثم ذهب المجنون وقد تذكر أن عنده قصة عنترة ولكنه أميّ لا يقرأ فقصد بيت ولده وأيقظه من النوم وهو يبكي وقال له يا ولدي أبوك رزئ بمصيبة عظيمة فقال له ولده هل مات أخي قال كان أهون ـ هل هدم البيت الجديد ـ كان أهون هل ماتت أمي ـ كان أهون ـ أصدر عليك حكم بالليمان في قضيتك ـ كان أهون ـ سرقت نقودك ـ كان أهون ـ ما الذي أصابك يا والدي ـ يا ولدي في هذه الليلة أخذوا عنترة أسيراً فهات الكتاب وخلصه وإلا قتلت نفسي ـ الولد: من عنترة يا والدي تتكدر على حكاية مكذوبة وقصة كلها تخريف وما لنا وعنترة إن هو إلا عبد أسود أخذ شهرة بما صنعه من قتل بعض الناس بلا حق لولوعه بالنهب وسعيه خلف مقاصده ـ الوالد: أنت تشتم عنترة يا ابن الزنا ونزل عليه بعصاه حتى أسال دمه وحلف عليه بالطلاق لا يبيت عنده ولا يعاشره فخرج الولد المسكين وهو يسب الجهل وأهله ويعجب من فساد أخلاق والده الذي أحدثه عدم التهذيب حتى ألحقه بالبهائم وسلخ عنه جلد الإنسانية فعارضه أحد