الكلام الحر ماكان غير مقيد بمشرب او عادة مقتصراً على شرح الحقيقة بلا حشو ولا تنميق.
هذا التعريف الجامع المانع يلزمنا البحث فيما اطلقت فيه اعنة الاقلام وهو لا يخلو اما ان يكون مؤلفاً علمياً او محرراً سياسياً. فالاول توجد الحرية فيما كان مختصاً منه ببعض العقليات والفنون التهذيبية فانه عبارة عن تعريف مركب تقتضيه صناعة الطب او اخبار بتجربة تقدم القلاحة او ارشاد يقتضيه مقام التهذيب او غير ذلك مما تدعو اليه حاجة الانسان وهذا لا دخيل فيه يخرجه عن اصله ولا يقصد به الا حياة الانسان ووقايته من العوارض السماوية او الارضية او الحيوانية
وما عدا هذا من المؤلفات التي يقصد بها تأييد مشرب حاكم او مألوف امة او عادة قبيلة فانه لا يشم رائحة الحرية اذ القصد منه التزلق والتملق وجذب قلوب الامم بالفاظ منمقة منسجمة يميل اليها ذوق الانسان وتحن اليه طبيعته
والثاني يوجد فيه لفظ الحريه مجرداً عن المعنى مهما كانت الحرية مطلقة لكاتبه فانه يؤيد عمل امير او يحسن فعل امة او يمدح فئة بحسب ما تصل اليه افكاره من استحسان ما يراه في بلاده من افعال رجاله. ومعلوم ان مايحبه هذا يكرهه ذاك وان اصاب هذا من جهة اخطاء من جهات وان ارضى فئة اغضب امماً كما نرى ذلك في جرائد السياسة على اختلاف مظاهرها وتباين اغراض محرريها وكلها ترجع لاستحسان عمل اهلها او تقبيح ما لا يناسب المحرر لا الامة او مايغضب اهل مذهبه او يخالف غرض جنسه وبهذا نعلم ان المحررات السياسية اجنبية من الحرية ولا وصلة بينهما الا في الالفاظ ونتحقق ان الكلام الحر يوجد في بعض كتب العقليات المقتصرة على تعريف جسم او استخراج مجهول او تركيب دواء او تشكيل الة او نشر مواعظ او ردع عن قبيح او حث على جميل فما وجدناه من هذا القبيل عنوانه بحر الكلام وتركنا ماعداه في رق كتابه واسر امره وبهذا ناسف على ضياع نصف الحكمة ونفرح بوجود معناها في بعض اجزائها وبقى علينا البحث في الحر من حيث هو بالنسبة للمتكلم
الحر من ملك امره ولم تتقيد افكاره بغرض ما. هذا اخص التعارف به عندي وان تضاربت فيه الاقوال ولو نظرنا الى انسان الوجود الحالي في سائر بقاع المسكونة لرأيناه بعيداً عن
الحرية لا يهتدي اليها ولا يتمكن منها ان وجدها سواء في هذا تابع الحكومة الجمهورية او الشورية. الوجود مضبوط بممالك مقيدة بقوانين وضعت باغراض ذاتية وافكار مقصورة على فرد او بعض افراد ولا يفقه تلك القوانين الا واضعها او من درسها على اهلها ولها عندهم منطوق