للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٢٥٨ -

الغراء ان رجلا يدعى الشيخ العشماوي من جروان (في المنوفية) وله الان نحو من عشرين سنة لا ياءكل ولا يشرب ولا يغوط ولا يبول وهو قوي البنية صحيح العقل وقد اعقب ولدين ورغبتم الى الاطباء وغيرهم من اهل العلم ان يغتوكم بما يظهر لهم من حقيقة هذه العجيبة التي لا يصح ان يذكر معها صيام تنر وامثاله بشي قاقول ان هذا الصيام مستحيل فيزيولوجيا لان الحياة مهما اختلفت اراء العلماء في اصلها فجميعهم على اتفق بانها لا تقوم الا بالتغذية القائمة بالتحليل والتركيب فكل عمل حيوي يرافقه تحليل في الانسجة الحسية اي ان العناصر القائمة فيها ظواهر الحياة تتغير كيماوياً وطبيعياً بحيث لا تعود تصلح للحياة فتفصل بالافراز ولكي تبقى الحياة بعد ذلك لا بد من التركيب اي ادخال مواد جديدة تقوم مقام المفقودة بالتحليل وهذه المواد لا يمكن الحصول عليها الا بالغذاء القائم بالطعام والشراب وبعبارة اخرى الحياة من اهم شروطها وجود مقدار معلوم من الماء والحرارة والهواء ويستحيا بقاؤها بغير ذلك فاذا فقد الماء بتحليله في المركبات الحيوية وبالافراز والتبخير الذي لا بد منه بالحرارة ولم يعوض عنه امتنعت الحياة وهكذا اذا انفذت مواد الغذاء بالاحتراق ولم يعوض عنها بالطعام بطل الاحتراق فبطلت الحرارة وبطلت الحياة وهذه حقائق الاعتراض ولا الاخلال واما صيام تنر فغير ممتنع اولا ً لان الجسم في حالة الصحة لا يستخدم في الاحتراق كل مواد الطعام التي تكون غالباً زائداً عن الاحتياج بل يتحظ على الرائد منها ويحرزن فيه على صورة الدهن ذخيرة يتصرف فيها عند الحاجة كما في وقت المرض وهذه الذخيرة لا تكفيه الا اياماً قليلة لا تزيد عن الطعام والشراب تاماً وثانياً لان تنر المذكور فضلاً عن الذخيرة المذكورة لم ينقطع عن شرب الماء ومن المعلوم ان اختباج الحياة الى الماء اشد من غيره فان الماء يؤلف نحو اربه اخماس ثقل الحيوان المنقطع عن الغذاء اكثر من الجوع وكان يستعمل ايضاً بعض المشروبات الروحية التي فيها مقدار غير قليل من الاكسيجين والكربون اللذين هما عنصرا الاحتراق ومع ذلك فصيامه لم يكن الا محدوداً ولو تجاوز به حدا معلوماً لهلك لا محالة والدليل انه خرج من صيامه في حالة الهزال الشديد بخلاف

الشيخ العشماوي على ما بين صيامهما من التباين العظيم والشيء بالشيء يذكر اني اقص عليكم حادثة ليست باقل اعتبارا من حادثة تنر وان كان الصيام فيها اقصر مدة لان الانقطاع فيها كان عن الطعام والشراب معاً وعن النور ايضاً مع قلة الهواء في ظروف تكد تقضي وحدها على الحياة ففي زلزلة سنة ١٨٧٢ في مدينة انصاكية اخرج صبي وبنت من تحت الردم حيث مكثا ثمانية ايام غير كاماة لا ياكلان ولا يشربان في بناء