للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمتعبدة، إنما همته طهارة البدن فقط، ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا. ويترك من طهارة القلب ما أمر به؛ إيجابا، أو استحبابا، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك. ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة، إنما همته طهارة القلب فقط؛ حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا؛ ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا، أو استحبابا.

فالأولون يخرجون إلى الوسوسة المذمومة في كثرة صب الماء، وتنجيس ما ليس بنجس، واجتناب ما لا يشرع اجتنابه مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسد والكبر والغل لإخوانهم، وفي ذلك مشابهة بينة لليهود.

والآخرون يخرجون إلى الغفلة المذمومة، فيبالغون في سلامة الباطن حتى يجعلون الجهل بما تجب معرفته من الشر-الذي يجب اتقاؤه-من سلامة الباطن، ولا يفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهي عنه، وبين سلامة القلب من معرفة الشر المعرفة المأمور بها ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات، ويقيمون الطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى.

وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به والبغي الذي هو مجاوزة الحد إما تفريطا وتضييعا للحق، وإما عدوانا وفعلا للظلم. والبغي تارة يكون من بعضهم على بعض وتارة يكون في حقوق الله، وهما متلازمان" (١).

• قال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) "دلت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرامٌ على


(١) مجموع الفتاوى ١/ ١٥ - ١٦.

<<  <   >  >>