هذا بابه، وسيأتي ذكره. اعلم إن التقديم والتأخير مما نحن يصدد ذكره هاهنا على ضربين؛ أحدهما يكون التقديم هو الأولى والأبلغ لموضع الاختصاص، والآخر يكون التأخير هو الأولى والأبلغ؛ إما الفائدة تقتضي ذلك، وإما خوفاً من فساد المعنى واختلاله. وسيرد كل ضرب من هذه الضروب، مشروحاً مبينا. وإما الضرب الأول وهو ما كان التقديم فيه هو الأولى والأبلغ فذلك كتقديم المفعول على الفعل، وتقديم المبتدأ عل الخير، وتقديم الظرف أو الحال أو الاستثناء على العامل.
فمن ذلك تقديم المفعول على الفعل، وإنما تعمد إلى ذلك قصداً للاختصاص، ألا ترى قولك (زيداً ضربت) تخصيصاً له بالضرب، إذ يحتمل أن يكون الضرب لغيره؛ لأنك إذا قدمت الفعل كنت بالخيار في إيقاعه على أي مفعول شئت كأن تقول (ضربت خالدا أو بكرا أو غيرهما) وإذا أخرته، لزم الاختصاص للمفعول. وقد ورد في القرآن الكريم، كقوله تعالى:(الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. فإنه إنما قدم المفعول، الذي هو الرزق، على الفعل الذي هو ينفقون؛ لأن الإنسان قد ينفق ما ليس له. فلو قدم الفعل هاهنا على المفعول، لسبق إلى الوهم قبل ذكر المنفق جواز كونه مما ليس له، ومع تأخيره يزول هذا الوهم، ويرتفع ذلك اللبس.
ومن هذا النحو، قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن قوله: (إياك نعبد) تخصيص له بالعبادة، دون غيره، وكذا قوله:(إياك نستعين) وهذا بخلاف ما لو قال (نعبدك ونستعينك) فإنه يحتمل أن تكون العبادة والاستعانة لغيره كما أشرنا
إليه، في (زيداً ضربت) و (ضربت زيداً) فأعرف ذلك.
وأما تقدير خبر المبتدأ عليه، فإنه لا يعمد إليه أيضاً إلا لضرب من الاختصاص، كقولك:(زيد قائم) و (قائم زيد) فقولك (قائم زيد) قد أثبت له القيام لا محالة، وقولك: (زيد