قائم) أنت بالخيار في إثبات القيام له أو نفيه عنه، بأن تقول: ضارب أو قاعد أو جالس أو غير ذلك.
ومن هذا النحو قوله تعالى (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) الآية.
فإنه إنما قال ذلك، ولم يقل:(وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو ما نعتهم) لأن في تقديم الخبر الذي هو مانعتهم، على المبتدأ؛ الذي هو حصونهم، دليلاً على فرط اعتقادهم في حصانتها، وزيادة وثوقهم بمنعها إياهم، وفي تصيير ضميرهم اسماً لأن، وإسناد الجملة إليهن دليل على تقريرهم في أنفسهم أنهم في عزة وامتناع، لا يبالي معها أحد يتعرض طامع أو قصد قاصد. وليس شيء من ذلك في قولك:(وظنوا أن حصونهم ما نعتهم أو تمنعهم). ومن تقديم خير المبتدأ عليه قوله تعالى:(أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) فإنه إنما قدم خبر المبتدأ عليه في قوله: (أراغب أنت عن آلهتي) لأنه كان أهم عنده، وهو به شديد العناية، وفي ذلك ضرب من التعجب والإنكار لرغبة إبراهيم - عليه السلام - عن آلهته، وأن آلهته لا ينبغي أن يرغب عنها. وهذا بخلاف ما لو قال:(أأنت راغب عن آلهتي). وقد سبق الكلام على ذلك فاعرفه.
فأما الظرف فاعلم إنه كان الكلام مقصوداً به الإثبات، فإن تقديم الظرف فيه أبلغ من تأخيره. وفائدته إسناد الكلام الواقع بعده، إلى صاحب الظرف دون غيره وإذا أريد بالكلام النفي فيحسن فيه تقديم الظرف وتأخيره؛ وكلام الأمرين له موضع يختص به؛ فأما تقديمه في النقي؛ فإنه يقصد به تفضيل المنفي عنه على غيره. وأما تأخيره؛ فإنه يقصد به النفي أصلا من غير تفضيل. وسيأتي بيان ذلك عند
ذكر الأمثلة الدالة عليه.
فأما الأول؛ وهو تقديم الظرف في الإثبات فنحو قوله تعالى:(فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم وإن علينا حسابهم) فتقديم الظرف على المصدر، وهاهنا تشديد في الوعيد، لا يكون عند