تأخيره؛ لأنه يعطي من المعنى أن إيابهم ليس إلا إلى الله، المقتدر على الانتقام. وأن حسابهم ليس إلا عليه، وذلك بخلاف ما لو قال:(إن إيابهم إلينا ثم إن حسابهم علينا) لأن قوله (إن إلينا إيابهم) لا يحتمل أن يكون الإياب فيه إلى غير الله؛ لأنه صدر الكلام بالظرف، وإذا قال (إن إيابهم إلينا) يحتمل أن يظن المخاطب عند سماعه (إن إيابهم) قبل قوله (إلينا) أن يكون الإياب إلى غيره.
ومن هذا الجنس قوله تعالى (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فإن الله قدم الظرفين في قوله (له الملك وله الحمد) ليدل بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد بالله لا يغيره، وكذا جاء قوله تعالى (من كفر فعليه كفره). . فإن تقديم الظرف هاهنا، أشد موقعاً من تأخيره، وأفخم شأناً؛ وذلك للدلالة على أن ضرر الكفر، لا يعود إلا على الكافر، وأنه لا يتعداه. وهذا لا يخفى على من له معرفة بعلم البيان.
وأما الثاني؛ وهو تأخير الظرف وتقديمه في النحو، فنحو قوله تعالى:(ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه) فإنه إنما أخر الظرف هاهنا لأن القصد في إبلاء حرف النفي الريب (الدلالة) على نفي الريب عنه، وإثبات إنه حق وصدق لا باطل وكذب، كما كان المشركون يدعونه. ولو أولاه الظرف، لقصد أن كتاباً آخر فيه الريب لا فيه، كما قصد في قوله تعالى:(لا فيها غول) وذلك تفضيل لخمر الجنة على خمور الدنيا؛ بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها الدنيوية؛ كأنه قال (ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة).
فتأخير الظرف في قوله تعالى (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه) يقتضي النفي أصلا من غير تفضيل، وتقديم الظرف في قوله تعالى (لا فيها غول) يقتضي تفضيل المنفي عنه، وهو خمر الجنة، على غيرها من خمور الدنيا. وهذا مثل قولنا (لا عيب في الدار) وقولنا (لا فيها