مناسب لما مثل به إلا إنه كان يحتاج إلى زيادة إيضاح. وهو أن يجعل المعنى المراد في كلام ما بمنزلة المقصد الذي يتوجه إليه السائر، ويجعل إلى ذلك المقصد ثلاثة طرق: أحدها قريب إليه، والآخران بعيدان عنه، متساويان في البعد. ويجعل الدلالة على ذلك المعنى المراد بالإيجاز بمنزلة الطريق القريب، ويجعل الدلالة عليه بالإطناب بمنزلة أحد الطريقين البعيدين، ويجعل الدلالة عليه بالإطناب بمنزلة الطريق الآخر المساوي له في البعد، إلا إنه نزه يحتوي على زيادة فائدة، بما تأخذ النفس منه من اللذة. فهذه ثلاث تمثيلات مناسبة لما مثلت به فاعرفها.
وحيث انتهى بنا القول إلى هذا الموضع وفرغنا من الكلام على ما ذكره أبو هلال في باب الإطناب، فلنورد نحن ما عندنا من ذلك فنقول:
اعلم أن الإطناب في أصل اللغة مأخوذ من (أطنب في الكلام: إذا بالغ فيه).
وقد ذكرنا ذلك أولاً في الاعتراض على كلام أبي هلال.
واعلم أن المبالغة تنقسم إلى أقسام كثيرة، وقد سبق ذكر شيء منها، كالإخبار بالفعل الماضي عن المضارع، وبالمضارع عن الماضي. وسيأتي ذكر الباقي في كتابنا هذا.
ومن جملة أقسام المبالغة الإطناب، وفائدته زيادة التصور للمعنى المقصود وإما حقيقة وإما مجازاً. وهو على الحقيقة ضرب من ضروب التأكيد، فأما ما جاء من ذلك على سبيل الحقيقة فقوله تعالى:(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) فإن الفائدة في قوله تعالى (في جوفه) كالفائدة في قوله (القلوب التي في الصدور) وذلك لما يحصل للسامع من زيادة التصور للمدلول عليه، لأنه إذا سمع به صور نفسه جوفاً (يحتوي) على قلبين. فكأن ذلك أسرع للإنكار.
وأما الذي جاء منه على سبيل المجاز فقوله تعالى:(فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور) ففائدة ذكر الصدور هاهنا إنه قد تعورف وعلم أن العمى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها، واستعماله في القلب استعارة ومثل.