للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قائم)، ثم تقول (إن زيداً قائم). ففي قولك: (إن زيداً قائم). من الإثبات لقيام زيد والتقرير له، ما ليس في قولك: (زيد قائم).

الثانية: تكرير الضمير في قوله تعالى: (إنك أنت الأعلى). ولو اقتصر على أحد الضميرين، فقال: إنك الأعلى، أو على: (فأنت الأعلى)، لما كان بهذه الثانية من التقرير لغلبة موسى، والإثبات لقهره.

الثالثة: التعريف في قوله (الأعلى)، ولم يقل: إنك أنت أعلى أو عال؛ لو قال ذلك

لكان قد نكره، وكان صالحاً لكل واحد من جنسه، كقولك: (رجل) فإنه يصلح أن يقع على كل واحد من الرجال. وإذا قلت: (الرجل) فقد خصصته من بين الرجال بالتعريف، وجعلته علماً فيهم. وكذلك قولك: (إنك أنت الأعلى): أي أنت الأعلى دون غيرك.

الرابعة: لفظة (أفعل) الذي من شأنه التفصيل، ولم يقل العالي.

الخامسة: إثبات الغلبة له من العلو، لأن الغرض من قوله (الأعلى)، أي الأغلب، إلا أن في الأعلى زيادة وهي الغلبة من (عال).

السادسة: الاستئناف، وهي قوله: (إنك أنت الأعلى). ولم يقل: (لأنك أنت الأعلى) لأنه لم تجعل علة انتفاء الخوف عنه كونه غالباً، وإنما نفى الخوف عنه أولاً يقوله: (لا تخف)، ثم استأنف الكلام، فقال: (إنك أنت الأعلى) فكان ذلك أبلغ في إيقان موسى - عليه السلام - بالغلبة والاستعلاء، وأثبت لذلك في نفسه.

فهذه ست فوائد في هذه الكلمات الثلاث. فانظر أيها المتأمل إلى هذه البلاغة العجيبة، التي تحير العقول، وتذهب بالألباب. ولأمر ما أعجز هذا الكلام العزيز البلغاء، وأفحم الفصحاء، ورجل فرسان الكلام.

فإن قيل: لو كان توكيد الضمير المتصل بالمنفصل أبلغ من الاقتصار على أحدهما، لورد ذلك

<<  <   >  >>