عند ذكر الله نفسه في كتابه، (لأنه) هو أحق بما هو أبلغ من الكلام. وقد رأينا في القرآن الكريم مواضع تختص بذكر الله تعالى، وقد ورد فيها أحد الضميرين دون الآخر، كقوله تعالى:(قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير). فما الموجب لذلك إن كان توكيد الضمير المتصل بالمنفصل أبلغ في بابه من الاقتصار على أحدهما دون الآخر؟ فقد كان بخلاف ذلك، فكيف قلت: إن توكيد الضمير المتصل بالمنفصل أبلغ؟.
الجواب عن ذلك أنا نقول: توكيد الضمير المتصل بالمنفصل إنما يرد في الكلام لتقرير المعنى المقصود، وإثباته في النفس، وما يختص بالله تعالى لا يفتقر إلى تقرير ولا إثبات، لأنه إذا قيل عنه:(إنك على كل شيء قدير)، لم يحتج في ذلك إلى توكيد حتى يتحقق ويتبين إنه على كل شيء قدير، بل قد علم وعرف أن قدرته تتعلق بكل شيء، وأنها جارية على كل مخلوق، فصار هذا الأمر المعروف المشهور، الذي لاشك يعتريه، ولا مرية تعترضه. وما هذا سبيله في الوضوح والبيان، فما الحاجة فيه إلى التوكيد؟ إذ التوكيد من شأنه تقرير المعنى المراد، وإثباته في النفس، وقوله تعالى:(إنك على كل شيء قدير) لا يحتاج فيه إلى تقرير ولا إثبات.
فإن قيل: فقد ورد في القرآن الكريم أيضاً، عند ذكر الله تعالى نفسه، كلا الضميرين: المنفصل والمتصل، كقوله تعالى:(وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس، اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟) إلى (. . . علام الغيوب) كما قال: (إنك على كل شيء قدير) فما السبب في هذا؟ وهلاً كان الجميع نوعاً واحداً؟!
الجواب عن ذلك أنا نقول: توكيد الضميرين أحدهما بالآخر في هذه الآية لا ينقض علينا