إلى أمر ونهي ووعد ووعيد ومن محكم إلى متشابه، ومن صفة لنبي مرسل وملك منزل إلى ذم لشيطان مربد، وجبار عنيد بلطائف دقيقة، ومعان آخذة بالقلب؛ فما جاء من التخلص في القرآن الكريم قوله تعالى:(واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون). إلى قوله تعالى:(فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين) هذا كلام يذهل العقول ويحير الألباب، وفيه كفاية لطالب البلاغة والمنتصب لهذه الصناعة، فانه متى أنعم فيه النظر وتدير أثناءه، ومطاوي حكمته علم أن في ذلك غني عن تصفح الكتب المؤلفة في هذا الفن ألا ترى أيها المتأمل ما أحسن ما رتب إبراهيم - عليه السلام - كلامه مع المشركين حين سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرر لا سؤال مستفهم، ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع. وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين، فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة. ثم أراد الخروج من ذلك إلى ذكر الإله، الذي لا تجب العبارة الإله، ولا ينبغي الرجوع
والإنابة إلا إليه، فصور المسألة في نفسه دونهم بقوله (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) على معنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة العدو وهو الشيطان، فاجتنبتها، وآثرت عبادة من الخير كله منه. وأراهم بذلك أنها نصيحة ينصح بها نفسه لينظروا فيقولوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه، فيكون ذلك أدعى لهم