للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والترهيب من معصيته مع عظمهما، وفخامة شأنهما في هذه الكلمات اليسيرة. وأما الكناية فقوله تعالى (وبرزت الجحيم للغاوين) فالغاوون هاهنا كناية عن أبيه وقومه، ويدل على ذلك قوله (وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله) لأن كلامه في الأول كان معهم في عبادتهم الأصنام.

وأما التقديم والتأخير فإن ذكر إبراهيم النعمة وتعديد الإحسان قبل الدعاء وطلب الحاجة. وأما إنابة الفعل الماضي عن المضارع فقوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون) بعد قوله (ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)، وفي ذلك من الفائدة ما أشرنا إليه في بابه، وقد سبق ذكره، فاعرفه.

ومما استطرف من هذا النوع قول ابن الزمكدم:

وليل كوجه البرقعيدي ظلمةً ... وبرد أغانيه وطول قرونه

سريتُ ونومي فيه نوم مشرَّدٌ ... كعقل سليمان بن فهد ودينه

على أَوْلقٍ فيه التفات كأنه ... أبو جابر في خبطه وجنونه

إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه ... سنا وجهة قرواش وضوء جبينه

وهذه الأبيات لها حكاية وذلك أن هذا الممدوح كان جالساً مع ندمائه في ليلة من ليالي الشتاء، وفي جملتهم هؤلاء الذين هجاهم الشاعر، وكان البرقعيدي مغنياً

وسليمان بن فهد وزيراً، وأبو جابر صاحباً، فالتمس الممدوح من الشاعر أن يهجو المذكورين ويمدحه فأنشد هذه الأبيات. وقد قال بعض أرباب هذه الصناعات إن هذا الشاعر لو تحدى بهذه الأبيات لأعجز

<<  <   >  >>