الشعراء أن يأتوا بمثلها، لأنه مع إتيانه بهذا النوع من علم البيان لم يقنع بذلك حق رقي في معانيه المقصودة إلى أسمق المنازل؛ فابتدأ في البيت الأول بهجو البرقعيدي، فجاء في ضمن مراده ذكر أوصاف ليل الشتاء جميعها، ولم يخل منها بشيء وهي الظلمة والبرد والطول، ثم إن هذه الأوصاف لليلة جاءت ملائمة لما وقعت عليه، مطابقة له: وكذلك البيت الثاني والثالث. ثم خرج إلى المدح بألطف وجه وأرق صنعة، فاعرف ذلك فانه لم يقل في هذا الباب أيدع من هذه الأبيات.
ومما جاء على نحو ذلك قول إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
وصافية تغشى العيون بنورها ... رهينة عامر في الدَّنان وعام
أَدَرنا بها الكأس الروية بيننا ... من الليل حتى انجاب كل ظلام
فما ذرَّ قَرْنُ الشمس حتى رأيتنا ... من العي نحكي أحمد بن هشام
ألا ترى ما أحسن ما خرج هذا الشاعر في الهجاء، فإنه أوهم في الأول الخوض في صفة الخمر ثم استدرج المعنى الذي قصده في صفة الخمر، من حيث لا يعلم السامع لمطلع كلامه أنه يريد ذلك؛ وأمثال هذا كثيرة فاعرفها.
وأما الاقتضاب فهو الذي أشرنا إليه في صدر هذا النوع، وهو أن يقطع المؤلف كلامه ويستأنف كلاماً آخر غيره، من غير علاقة تكون بينه وبين ما قبله، فمن ذلك ما هو أحسن من