وأشباه ذلك، ولا سيما إذا كان في التهاني، فإنه يكون أشد قبحاً، وإنما يستعمل ذلك في الخطوب النازلة، والنوائب الحادثة، ومتى كان الكلام في المديح مؤسساً على هذا المثال تطير منه سامعه، فإن رأس صناعة التأليف وضع كل شيء مكانه، وإنما خصصت الابتداءات بالاختيار لأنها أول ما يطرق السمع من الكلام، فانه متى
كان الابتداء لائقاً بالمعنى الوارد بعده توفرت الدواعي على استماعه وتزايدت البواعث على الاستغناء إليه، ومن أقبح الابتداءات قول ذي الرمة (ما بال عينيك منها الماء ينسكب).
لأن مقابلة الممدوح بهذا الخطاب لإخفاء بقبحه، وقد أنكر الفضل بن يحيى على أبي نواس قوله فيه:
(أربع البلى إنَّ الخشوع لبادي)
فلما انتهى إلى قوله:
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني بربك من رائحين وغادي
استحكم تطير الفضل بن يحيى، وقيل إنه لم يمض على ذلك أسبوع واحد حتى نكبوا، وحكي أنه لما فرغ المعتصم من بناء قصره بالميدان جلس فيه وجمع أهله وأصحابه وأمرهم أن