فإن الذي يؤديك منه سماعه ... وإنّ الذي قالوا وراءك لم يُقَّل
فورد في القرآن الكريم هذا المعنى المذكور في كلمات مختصرات، وهي قوله تعالى:(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). ألا ترى إلى هذه الآية (فهي) حاوية للمعنى المشار إليه في الأبيات مع الإيجاز، فهو أن الشاعر ذكر هذه المعاني في ثلاثة أبيت فيها ثلاث وثلاثون كلمة، والقرآن العزيز أتى بالمعنى في آية واحدة فيها ثلاث عشرة كلمة. وأما حسن التركيب فلا خفاء به. ومن جملته المقابلة بين الأضداد نحو ذكر السيئ والحسن، والعدو والصديق.
ومن هذا الباب قول النابغة: -
إذا ما غزا بالجيش حَلَّق فَوقَهُ ... عصائب طَيْر تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقنّ أنَّ قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أوّلُ غالب
أخذ هذا المعنى الأفوه فقال: -
وترى الطير على آثارنا ... رأيَ عين ثقةً أنْ ستَمُار
فذكر المعاني المشار إليها في بيت واحد، فحاز فضيلة الإيجاز، التي هي أعلى درجات الكلام وصار أحق بذلك المعنى من النابغة، وإن سبقه إليه وتقدمه فيه.