إلى فهمه أقرب من فهم غيره، وذلك شيء مدفوع لا يذهب إليه أحد البتة. وإنْ قال: إن هذا النوع غير مفهوم للخاصة، قلنا له: فأنت أيها الشيخ الإمام قد فهمته وعرفته، ولولا فهمك له ومعرفتك به (لما أنكرته) وإلا فكيف كنت تنكره وتبعث على اجتنابه؟ وهذا يدل على أنك لست من العامة ولا من الخاصة؛ لأنك قد فهمت ما لا يفهمه الفريقان، وذلك من أعجب الأشياء.
فإن قال: إني ما أنكرت هذا النوع إلا لأن صناعة التأليف من المنظوم والمنثور لا تستعمل فيها ما ليس من جنسها، قلت له في الجواب: يبطل عليك ذلك باستعمال الفقه من الأحكام السلطانية في المكاتبات، واستعمال الحساب مما يحتاج إليه في الكتابة إلى العمال وأرباب الخراج، واستعمال النجوم في كبس سني الخراج بعضها على بعض، فيكون لما أنكرته أيها الشيخ الإمام من استعمال تلك العلوم أسوة بالفقه والحساب والنجوم. ثم ماذا تنكر من شيء يدل على فضل صاحبه وغزارة علمه؟ أليس من الواجب في صناعة التأليف أن الناظم والناثر ينبغي له أن
يستعمل في كل معنى يقصده، ما يليق به وينخرط في سلكه؛ فإن كان ذلك المعنى يحتاج إلى النحو استعمل فيه النحو، وإن كان شيئاً يحتاج إلى الحساب استعمل فيه الحساب، وكذلك باقي العلوم. فإذا أخذ المؤلف معنى يحتاج فيه إلى ذكر أحد هذه العلوم المذكورة ولم يذكره، كان ذلك المعنى ناقصاً عما يحتاج اليه، وهذا ليس بخافٍ على اللبيب المنصف، فاعرفه.