للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك ما رواه عبد الله بن سلام قال: لما ورد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أن جفل الناس قبله، وقيل قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت في الناس لأنظر اليه، فلما تبينت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصّلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا بسلام) فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم

قال لبعضهم منكراً عليه، وقد كلمه بكلام مسجوع: (أسجعاً كسجع الكهّان) ولو أن السجع مكروه لما أنكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجواب عن ذلك أنا نقول: لو كره النبي - صلى الله عليه وسلم - السجع أصلاً لقال أسجعاً؟! ثم سكت، وكان المعنى يدل على إنكار هذا الفعل لِمَ كان، فلما قال (أسجعاً كسجع الكهان؟) صار المعنى معلّقاً على أمر آخر؛ وهو إنكار الفعل لم كان على هذا الوجه، فعلم أنه إنما ذم من السجع ما كان مثل سجع الكهان، لا غير وأنه لم يذمَّ السجع على الإطلاق. ومحال أن يذمه على الإطلاق؛ لأن القرآن الكريم، قد أتى به. وهو - صلى الله عليه وسلم - قد نطلق به في كثير من كلامه، حتى أنه غير الكلمة عن وجهها، اتباعاً لها بأخواتها لأجل السجع؛ فقال لابن ابنته - عليهما السلام -: (أعيذه من الهامة والسامة، وكل عين لامة) وإنما أراد ملمه، لأن الأصل فيها من (ألم فهو ملم)، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليرجعن مأزورات غير مأجورات) طلباً للتوازن والسجع، وهذا من أدل على فضيلة السجع.

واعلم أن الأصل في هذا الاعتدال في مقاطع الكلام، والطبع يميل إلى الاعتدال في

<<  <   >  >>