جميع الأشياء. وحيث أنهى بنا القول إلى هذا الموضع، فلنتبعه بذكر أقسام السجع، وما يحمد منه في الاستعمال، وما يذم، فنقول:
اعلم أولاً: أن السجع لا يحمد على كل حال، ولا في كل موضع، حتى يتوخاه المؤلف في كلامه، بحيث يذهب بفضيلة المعاني لأجله، وذلك أنه إذا صور في نفسه معنى من المعاني، ثم أراد أن يصوغه بلفظ مسجوع، ولم يؤاته ذلك إلا بزيادة على ذلك المعنى، أو نقصان منه، ولا يكون محتاجاً إلى الزيادة ولا إلى النقصان، وإنما يضطر إلى ذلك اضطراراً، لأن المعنى الذي يكون قد قصده يحتاج إلى لفظ يدل عليه، وإذا دلّ عليه بذلك اللفظ لا يكون مسجوعاً، إلا أن
يضيف إليه شيئاً آخر، وينقص لأجل الفقرة المطلوبة، فإذا فعل ذلك، فلا بد وأن يزداد الكلام الذي قصده، زيادة لا حاجة إليها، أو ينقص نقصاً لا حاجة اليه، وهذا الذي يذم من السجع ويستقبح، لما فيه من التكلف والتعسف.
وأما إذا كان محمولاً على الطبع غير متكلف، فانه يجيء في غاية الحسن، وهو أعلى درجات الكلام.
واعلم أن السجع ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
الأول: أن يكون الفصلان متساويين، لا يزيد أحدهما على الآخر، كقوله تعالى:(فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر) وقوله تعالى: (والعاديات ضبحاً، فالموريات قدحاً، فالمغيرات صبحاً، فأثرن به نقعاً، فوسطن به جمعاً). ألا ترى كيف جاءت هذه الفصول متساوية الأجزاء حتى كأنها خرطت في قالب واحد؟ وأمثال ذلك في القرآن الكريم (كثيرة)، وهو أشرف السجع منزلةً، وأعلاه درجةً للاعتدال الذي فيه.
القسم الثاني: أن يكون الفصل الثاني أطول من الأول، لا طولاً يخرج به عن الاعتدال خروجاً كثيراً، فإنه يقبح عن ذلك ويستنكره، فمن جيد هذا القسم قوله تعالى: (بل