كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمرٍ مريج، أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج، والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج).
ألا ترى أن الفصل الأول تسع كلمات، والفصل الثاني اثنتا عشرة لفظة، والفصل الثالث إحدى عشرة لفظة؟ ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة مريم:(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئاً إدّاً تكادُ السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، أن دَعوْا للرحمن ولدا، وما ينبغي للرحمن أن يتخذَ ولدا). . . إلى قوله:(. . . وتُنذِرَ به قوماً لُدّا) وأمثال هذا في القرآن كثيرة، فاعرفها:
القسم الثالث: أن يكون الفصل الآخر أقصر من الأول وهو عيب عند أرباب هذه الصناعة فاحش. وسبب ذلك أن السمع يكون قد استوفى مدة من الفصل الأول بحكم طوله، ثم يجيء الفصل الثاني قصيراً عن الأول، فيكون كالشيء المبتور، فيبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد المضي إلى غايةٍ فيعثر دونها. وإن شك أحدٌ فيما أشرنا إليه من هذا المثال، فليصنع فصلين من الكلام وليكن الأول منها أطول من الثاني، ثم يعرضهما على نفسه؛ فانه يجد صحة ما ذكرناه.
واعلم أن التصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور، وفائدته في الشعر أنه يفهم منه قبل كمال البيت الأول من القصيدة قافيتها، وشبّه البيت المصرَّع بباب له مصرعان متشاكلان، وقد فعل ذلك القدماء والمحدثون وفيه دلالة على سعة القدرة، وفسحة المجال في أفانين الكلام.
فأما إذا كَثُرَ التصريع في القصيدة فلست أراه مختاراً، لأن هذه الأصناف من التصريع،