لا حاجة به إليهما، لأن التصريف إنما هو معرفة أصل الكلمة وزيادتها. وهذا لا يضر
مؤلف الكلام جهلة، ولا ينفعه معرفته. ولنضرب لذلك مثالاً كيف اتفق، فتقول: إذا قال القائل: رأيت سرداحاً، لا يلزمه أن يعرف أن الألف في هذه اللفظة زائدة هي أم أصل، لأن العرب لم تنطق بها إلا كذلك، ولو قالت (سردح) بغير ألف، لما جاز لأحد أن يزيد الألف من عنده، فيقول (سرداح) فعلم بهذا أن مؤلف الكلام إنما ينطق بالألفاظ كما سمعها عن العرب، من غير زيادة فيها، ولا نقصان، وليس عليه بعد ذلك أن يعرف أصلها، ولا زيادتها، لأن ذلك أمر خارج عما تقتضيه صناعته. وكذلك الإدغام، فإنه إذا قال القائل (مررت برجل ضف الحال) لا يلزمه أن يعلم أن الأصل في (ضف) ضفف وأن لا يجب عليه علمه، ولا يضطر إلى معرفته البتة، وذلك إنه إنما ينقل هذا وأمثاله عن العرب. فالذي يسمع أنهم قد تكلموا به يحذو حذوهم فيه، غير أن يتصرف بشيء من عنده، فإن (كان) مؤلف الكلام لم يسمع أن العرب قالوا (رجل ضف الحال) فقال هو (ضفف الحال) ولا سمع أنهم قالوا: (ضفف الحال) فقال هو (ضفف الحال فإنما تكلم بما سمعه عن العرب من غير زيادة فيه ولا نقصان منه. الجواب عن ذلك إنا نقول: أعلم أنا لم نجعل معرفة التصريف والإدغام، ضرورة على مؤلف الكلام، كمعرفة النحو. لأن المؤلف إذا كان عارفاً بالمعاني، مختاراً لها، قادراً على الألفاظ، مجيداً فيها، ولم يكن عارفاً بعلم النحو فإنه يفسد ما يصوغه من الكلام، ويختل عليه ما يقصده من المعاني، كما أريناك في ذلك المثال المتقدم. وأما التصريف والإدغام فإن المؤلف إذا لم يكن عارفاً بهما لم يفسد عليه معاني كلامه، وإنما تفسد على الأوضاع، كانت المعاني صحيحة مفهومة. وسيأتي بيان ذلك في تحرير الجواب. فنقول: