أما قولك أيها المترخص أن التصريف والإدغام لا حاجة لمؤلف الكلام اليهما، واستدلالك على هذا بما ذكرته من هذين المثالين اللذين ضربتهما، فإن ذلك لا يستمر لك الكلام فيه البتة أما التصريف وتمثيلك إياه بلفظة (سرداح) وقولك إن
المؤلف لا يحتاج إلى معرفة أن الألف التي فيها زائدة هي أم أصل؛ لأنه ينقلها عن العرب على ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان، فإن ذلك لا يطرد إلا فيما هذا سبيله من نقل الألفاظ على هيئتها، من غير تصرف فيها، يحال من الأحوال، فأما إذا أراد المؤلف تصغيرها، أو جمعها، أو النسبة إليها، فإنه إذا لم يعرف الأصل في حروف الكلمة وزيادتها وحذفها وإبدالها، يضل عن السبيل ويصير عليه مجال للطاعن والغائب ألا ترى إنه إذا قيل للنحوي، وكان جاهلاً بعلم التصريف: كيف تصغر (اضطراب)؟ فإنه يقول (ضطيريب) لا يلام على جهله بذلك لأن الذي تقتضيه صناعة النحو قد أتى به، وذلك أن النحاة يقولون في كتبهم (إذا كانت الكلمة على خمسة أحرف، وفيها حرف زائد، ولم تكن حذفته (حذفتة) نحو قولهم في منطلق (مطيلق) وفي جحْمرش (جحيمر) فلفظه منطلق على خمسة أحرف، وفيها حرفان زائدان، هما الميم والنون، إلا أن الميم زيدت فيها لمعنى، فلذلك لم تحذف، وحذفت النون.
وأما لفظة (جحمرش) فخماسية لا زيادة فيها، وحذف منها حرف أيضاً، ولم يعلم النحوي أن علماء النحو إنما قالوا ذلك مهملاً، اتكالاً منهم على تحقيقه من علم التصريف، لأنه لا يلزمهم أن يقولوا، في كتب النحو، أكثر مما قالوا، وليس عليهم أن يذكروا في باب من أبواب النحو شيئاً من التصريف، لأن كلاً من النحو والتصريف علم منفرد برأسه، غير أن أحدهما مرتبط بالآخر، ويحتاج إليه. وإنما قلت: إن النحوي، إذا سئل عن تصغير (اضطراب) يقول (ضطيريب) لأنه لا يخلو: إما أن يحذف من لفظة (اضطراب) الألف، أو الضاد، أو