للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاني. ثم إنه لم يورد على ذلك دليلاً بل أجمل القول فيه كما قد ذكرناه. فإن هذا حكاية لكلامه بعينه. فلما وقفنا نحن على ما أومأ إليه، سنح لنا في أثنائه دليل، وهو أنا نقول: قد ثبت لنا أن أصل الفصاحة في وضع اللغة: الظهور والبيان، والفصيح: هو الظاهر، وهو اسم فاعل من فصح مطرد في بابه،

يقال: (كرم فهو كريم) و (ظرف فهو ظريف) و (وشرف فهو شريف) و (فصح الكلام فهو فصيح) وكذلك ما جرى هذا المجرى. فوزن فعيل: هو اسم فاعل من (فعل)، وهذه قاعدة مستمرة في ذلك.

وقد ثبت لنا أيضاً، أن المعنى لا يكون مظهراً لنفسه، ولا موضحاً عن ذاته، إذ المعاني جميعها قائمة بالنفس، وإنما اللفظ يظهرها ويبينها فهو إذا فاعل البيان والإيضاح، وهذه أيضاً قاعدة مسلمة، لا خلاف فيها بحال من الأحوال. فلما كان اللفظ هو الفاعل للبيان والإيضاح، وكان الفصيح اسم فاعل من فصح، أي بان واتضح، وجب حينئذ أن يكون اسماً للفظ، مختصاً به. فاعرف ذلك.

فإن قيل: القياس يقتضي أن الدليل الذي أوردته في الفصاحة يلزمك في البلاغة مثله، وهو أن وزن (بليغ) مثل وزن (فصيح) فكما أن فصيحاً اسم فاعل، كذلك يكون (بليغاً) أيضاً اسم فاعل، وإذا كان اللفظ فاعلاً للفصاحة فاختصت به، كذلك يكون اللفظ فاعلاً للبلاغة فيجب اختصاصها به.

الجواب عن ذلك أنا نقول: أما قولك: القياس يقتضي أن تكون البلاغة مختصة باللفظ، كما أن الفصاحة مختصة به، لتساوي البلاغة والفصاحة في الدليل الذي أوردناه من حيث إن بليغاً وفصيحاً على وزن واحد فإن هذا الذي ذكرته قياس وارد، ولكن من وجه، وذلك أنا نحن لم نستدل على أن الفصاحة تخص اللفظ بوزن (فعيل) الذي هو اسم الفاعل فقط، وإنما استدللنا على أن الفصاحة تخص اللفظ من حيث كان أصلها في وضع اللغة الظهور والبيان. وانضاف إلى ذلك أنها على وزن (فعيل) الذي هو اسم فاعل من (فعل) نحو (فصح)

<<  <   >  >>