دون مخرج القاف الذي هو من أقصى اللسان، ومخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا السفلى، ومخرج الياء من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك، ومخرج الفاء من باطن الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العليا. ومع هذا فإذا نقلت هذه اللفظة التي قد استقبحت هاهنا، إلى موضع آخر صار ذلك القبح حسناً كقولك:(أنا في
كنف فلان) أي في ذراه، وتحت ظله. فصح حينئذ من فحوى كلام أبي محمد بن سنان إنه نقض ما ادعاه أولاً، من أن الفصاحة نعت للألفاظ، بما ذكرناه من شروطها الثمانية، التي من جملتها هذا القسم المأخوذ عليه، وهو مما يختص بالمعنى دون اللفظ، وتناقض كلام مثل ذلك الإمام المشهور في هذه الصناعة عجيب. عصمنا الله وإياكم من الزلل وهدانا إلى طريق الصواب.
وأما البلاغة، فإن أصلها (في) وضع اللغة: الوصول والإنهاء، يقال: بلغت المكان إذا انتهيت إليه، ومبلغ الشيء: منتهاه. وسمي الكلام بليغاً من ذلك، أي إنه قد بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية. وذلك أن له أوصافاً ثلاثة يعرف بها، فمتى عري من واحد منها نقص عن درجة البلاغة، فلا يسمى بليغاً، وهي أن يكون معناه مقيداً، ويكون لفظة فصيحاً، ويكون غير زائد على المعنى المندرج تحته، فيلزم على هذا أن يكون كل كلام بليغ فصيحاً وليس كل كلام فصيح بليغاً.
واعلم أن البلاغة نعم الكلام مركباً لا مفرداً، وإنما كانت كذلك لأن المفرد لا يكون مفيداً، وما ليس بمفيد فلا يسمى بليغاً.
وأيضاً فإن اللفظة المفردة برأسها، إذا وردت في الكلام لا يراد بها إلا معنى واحد من غير زيادة. (و) في الكلام ما يزيد معناه على لفظه، وذلك إنما يكون مركباً لا مفرداً.
وأما اختصاص الفصاحة والبلاغة، فإن أبا محمد بن سنان الخفاجي ذكر ذلك في كتابه فقال: إن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفاً للألفاظ مع