الحروف، وأن لا تكون الكلمة وحشية ولا متوعرة، وغير ذلك مما أورده وذكره في كتابه. وفي هذا نظر وقفنا عليه الفكر والروية، وذلك إنه قد جعل
صفات اللفظة التي تكون بها ذات مزية وحسن هي الفصاحة، وخالف بذلك نص العرب، لأنهم قالوا: إن اللفظ الفصيح هو الظاهر الواضح، ولم يقولوا: إنه المتباعد مخارج الحروف، ولا الذي ليس وحشياً ولا متوعراً، ولا غبر ذلك مما ذكره أبو محمد بن سنان. ولهذا تطرق إلى كلامه الخلل، وذاك إنه نقل الفصاحة عن حقيقتها التي وضعت لها في أصل اللغة، بأن علقها على هذه الشروط التي ذكرها، وجعل وجودها موقوفاً على وجود تلك الشروط، و (إذا نقص) بعضها لا تكون فصيحة وحقيقتها أن تكون فصيحة، وهذا من أعجب الأشياء فليتأمل.
وأيضاً فإن أبا محمد بن سنان قد ذكر في كتابه، من جملة الأقسام الثمانية، قسماً وهو أن لا تكون الكلمة قد عبر بها عن معنى بكره ذكره، فإذا وردت وهي غير مقصود بها ذلك المعنى قبحت، كقول عروة بن الورد:
(و) قلت لقوم في الكنيفِ تروَّحوا ... عشية بتنا عند ما وانِ رُزّحِ
قال (الكنيف) أصله الساتر، ومنه قيل للترس (كنيف) غير إنه قد استعمل في الآبار التي تستر الحدث وشهر بها فأنا اكرهه لذلك. هذا حكاية كلام أبي محمد بن سنان الخفاجي. ولنا عليه اعتراض، وهو أنا نقول: إذا كان قد جعل الفصاحة مقصورة على الألفاظ فكيف عاد نقص ما ادعاه بهذا القول، فإنه إنما أنكر من هذه اللفظة التي هي الكنيف ما تضمنته من المعنى فقط. وإلا فإذا اعتبر لفظها ومخارج حروفها، من غير نظر إلى المعنى المندرج تحتها، لم يوجد لها قبح ولا كراهة، لأن مخارج الحروف التي تألف منها متباعدة، فمخرج الكاف