والبعيد الطرح إما أن يكون لبعده مما استعير له في الأصل، أو لأجل إنه استعارة مبنية على استعارة أخرى فيضعفه لذلك.
هذا ما ذكره ابن سنان في تقسيم الاستعارة. وإذا كانت الاستعارة المبنية على استعارة أخرى عنده بعيدة ضعيفة، فكيف جعلها وسطاً!؟ هذا تناقض في القول، فاعرفه.
الوجه الثاني: أنه لم يأخذ على أبي القاسم الآمدي في موضع الأخذ، لأنه لم يختر إلا ما حسن اختباره، وكان بديعاً في بابه. فإن الاستعارة قد يثبت أنها جمع بين شيئين بمعنى مشترك بينهما، يكسب بيان أحدهما بالآخر. وهذا الحكم موجود في بيت امرئ القيس، فإنه لو لم يكن لليل صدر، أعني أولا، ولم يكن له وسط وآخر لما حسنت هذه الاستعارة. ولما كان كذلك استعار لوسطه صلباً، وجعله متمطياً. وجعل لصدره المتثاقل، أعني أوله، كلكلاً وجعله نائياً، واستعار لآخره عجزاً،
وجعله رادفاً لوسطه. وذلك من الاستعارات المناسبة، التي لا أمد فوقها فاعرفها.
وحيث ذكرنا للاستعارة المناسبة أمثلة يحتذيها المترشح لهذه الصناعة، ويستعملها في كلامه، فيجب حينئذ أن تذكر القسم الآخر، وهو غير المناسب، ونضرب له أمثلة يعرف بها أيضاً، فمن ذلك قول أبي تمام:
يومُ فتح سقى أسودَ الضواحي ... كُشَبَ الموت رائباً وحليبا
فإنه لا شيء أقبح من هذه الاستعارة، ولا أشد تباعدا بينها وبين ما استعيرت له، فما كفاه أن جعل للموت كثباً، أي ألباناً، واحدها (كثبة) حتى جعل بعضها رائباً، وبعضها حليباً ثم إن الموت من شأنه أن يستعار له ما يكره لا ما يستطاب.