للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على «إلَّا الله»، وعليه جمع من السادة النجباء كابن مسعود، وغيره، أي: أنَّ الله استأثر بعلم المتشابه كنزول عيسى ابن مريم، وقيام الساعة، والمدة التي بيننا وبين قيامها، وليس بوقف لمن عطف «الراسخون» على الجلالة، أي: ويعلم الراسخون تأويل المتشابه أيضًا، ويكون قوله: «يقولون» جملة في موضع الحال من «الراسخون»، أي: قائلين آمنا به، وقيل: لا يعلم جميع المتشابه إلَّا الله تعالى، وإن كان الله قد أطلع نبيه - صلى الله عليه وسلم - على بعضه وأهَّل قومًا من أمته لتأويل بعضه، وفي المتشابه ما يزيد على ثلاثين قولًا، وهذا تقريب للكلام على هذا المبحث البعيد المرام الذي تزاحمت عليه أفهام الإعلام، وقال السجستاني: «الراسخون» غير عالمين بتأويله، واحتج بأن «والراسخون» في موضع «وأما»، وهي لا تكاد تجيء في القرآن حتى تثنى وتثلث، كقوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ} [الكهف: ٧٩]، و {وَأَمَّا الْغُلَامُ} [الكهف: ٨٠]،

و {وَأَمَّا الْجِدَارُ} [الكهف: ٨٢]، و {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩)} [الضحى: ٩]، و {وَأَمَّا السائلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)} [الضحى: ١٠]، وهنا قال: «فأما الذين في قلوبهم زيغ»، ولم يقل بعده، وأما ففيه دليل على أنَّ قوله: «والراسخون» مستأنف منقطع عن الكلام قبله، وقال أبو بكر: وهذا غلط؛ لأنَّه لو كان المعنى وأما الراسخون في العلم فيقولون لم يجز أن تحذف أما والفاء؛ لأنَّهما ليستا مما يضمر.

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] صالح، على المذهب الثاني على استئناف ما بعده، وليس بوقف إن جعل جملة في موضع نصب على الحال، وإن جعل «آمنا به كل من عند ربنا» كلامًا محكيًّا عنهم، فلا يوقف على «آمنا به»، بل على قوله: «كل من عند ربنا» وهو أحسن؛ لأنَّ ما بعده من كلام الله، أي: كل من المحكم والمتشابه فهو انتقال من الكلام المحكي عن الراسخين إلى شيء أخبر الله به ليس بحكاية عنهم.

{آَمَنَّا بِهِ} [آل عمران: ٧] حسن، على المذهبين.

{مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [٧] كاف، وقوله: «وما يذكر إلَّا أولو الألباب» معترض، ليس بمحكي عنهم؛ لأنَّه من كلام الله.

{الْأَلْبَابِ (٧)} [٧] تام، وقيل: كاف؛ لأنَّ ما بعده من الحكاية آخر كلام الراسخين.

{بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [٨] حسن، ومثله «رحمة»؛ للابتداء بإن.

{الْوَهَّابُ (٨)} [٨] تام، وإن كان ما بعده من الحكاية داخلًا في جملة الكلام المحكي؛ لأنَّه رأس آية، وطال الكلام.

{لَا رَيْبَ فِيهِ} [٩] كاف؛ لأنَّ ما بعده من كلام الله، لا من كلام الراسخين، وحسن إن جعل التفاتًا من الخطاب إلى الغيبة، أي: حيث لم يقل: إنك، بل قال: إنَّ الله، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة.

{الْمِيعَادَ (٩)} [٩] تام.

{شَيْئًا} [١٠] جائز، ومثله «وقود النار» يبنى الوقف والوصل، على اختلاف مذاهب المعربين في الكاف من «كدأب» بماذا تتعلق؟! فقيل: في محل رفع خبر مبتدأ محذوف، أي: دأبهم في ذلك كدأب آل فرعون، أو في محل نصب، وفي الناصب لها تسعة أقوال:

١ - أنَّها نعت لمصدر محذوف، والعامل فيه «كفروا» أي: أنَّ الذين كفروا به كفرًا كدأب آل فرعون، أي: كعادتهم في الكفر.

٢ - أو منصوبة بـ «كفروا» مقدرًا.

٣ - أو الناصب مصدر مدلول عليه بـ «لن تغني»، أي: توقد النار بهم كما توقد بآل فرعون.

٤ - أو منصوبة بـ «لن تغني»، أي: بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد كعادة آل فرعون.

٥ - أو منصوبة بوقود، أي: توقد النار بهم كما توقد بآل فرعون.

٦ - أو منصوبة بـ «لن تغني»، أي: لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك.

٧ - أو منصوبة بفعل مقدر مدلول عليه بلفظ الوقود، أي: توقد بهم كعادة آل فرعون، ويكون التشبيه في نفس الإحراق.

٨ - أو منصوبة بكذبوا، والضمير في كذبوا لكفار قريش وغيرهم من معاصري الرسول عليه الصلاة والسلام، أي: كذبوا تكذيبًا كعادة آل فرعون في ذلك التكذيب.

٩ - أنَّ العامل فيها فـ «أخذهم الله»، أي: فأخذهم الله كأخذه آل فرعون، وهذا مردود؛ فإنَّ ما بعده فاء العطف لا يعمل فيما قبلها.

{كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ} [١١] تام، إن جعل ما بعده مبتدأ منقطعًا عما قبله، وخبره «كذبوا»، أو خبر مبتدأ، وليس بوقف إن عطف على ما قبله.

{بِذُنُوبِهِمْ} [١١] كاف.

{الْعِقَابِ (١١)} [١١] تام.

{إِلَى جَهَنَّمَ} [١٢] جائز.

{الْمِهَادُ (١٢)} [١٢] تام.

{الْتَقَتَا} [١٣] كاف لمن رفع «فئة» بالابتداء (١)، وسوغ الابتداء بها التفصيل، وثَمَّ صفة محذوفة تقديرها: فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت، فحذف من الجملة الأولى ما أثبت مقابله في الجملة الثانية، ومن الثانية ما أثبت مقابله في الأولى، وهو من النوع المسمى بالاحتباك من أنواع البديع، وهي قراءة العامة (٢)، وليس بوقف لمن قرأ: «فئةٍ» بالجر (٣)،


(١) وهي قراءة الأئمة العشرة بالإجماع.
(٢) أي: الأئمة العشرة.
(٣) وهي قراءة الحسن ومجاهد والزهري وحميد، وهي قراءة شاذة. انظر هذه القراءة في: الإعراب للنحاس (١/ ٣١٤)، الإملاء للعكبري (١/ ٧٤)، البحر المحيط (٢/ ٣٩٣)، تفسير القرطبي (٤/ ٢٥)، المعاني للأخفش (١/ ١٩٥)، تفسير الرازي (٢/ ٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>