الحمد لله رب العالمين، أنزل القرآن الكريم تبيانًا لكل شىء، فكان المعجزة الخالدة على مر الأزمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله الأمين تلقى القرآن العظيم وبلَّغه كما أُنزل إليه من ربه، فقرأه على الناس على مُكْث ورتّله كما أحب الله أن يرتله، فأعطى الحروف حقها ومستحقها مما يليق عند النطق، ورضى الله عن آله وصحبه الذين سمعوه منه، ونقلوه عنه كما سمعوه، فأدّوا الأمانة خير أداء إعظامًا للكلام والمتكلم وإجلالاً للخطاب والمخاطب -سبحانه-، ورضى الله عَمَّنْ تلقوه عنهم من التابعين وتابعي التابعين ومن والاهم بإحسان جيلاً بعد جيل، حتى وصل إلينا كتاب الله في كماله، محفوظًا من التغيير والتبديل، مصونًا من كل تحريف منطوقًا به على الوجه الصحيح، مؤدًى كما نزل بلسان عربي مبين. ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليمًا.
فقد خلق الله الإنسان، وميّزه بالبيان، وجعل له اللسان أداة للنطق، والأذن أداة للسمع، والعقل أداة للفهم، والروح أداة للتأثير والتأثر، والقرآن المجيد أعلى الكلام وأحلاه، وما ظنك بكلام ربِّ العالمين وقد منَّ به على أمّة أحبّ أحبابه
وأصفى أصفيائه، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكانت أمته أمّة القرآن الكريم، وكانت خير أمّة أخرجت للناس.
وقد تكفل الله بحفظ القرآن الكريم:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
[الحجر: ٩].
لينتفع به الآخرون كما انتفع به الأولون، فكان من كل جيل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله.
وقد قرأ الأولون القرآن، فأدوا القراءة أحسن أداء، وكان حسن الأداء سبيلهم لحسن الاستماع، وكان حسن الاستماع سبيلاً لحسن التدبر، وحسن التدبر سبيلاً لحسن الانتفاع، وكيف لا يفعلون والكلام عزيز من عزيز وعلىٌّ من علىًّ وحكيم من حكيم، أحكمت آياته وفصِّلت كلماته، وبهرت