الحمد لله الذي نوَّر قلوب أهل القرآن بنور معرفته تنويرًا، وكسا وجوههم من إشراق ضياء بهجته نورًا، وجعلهم من خاصة أحبابه إكرامًا لهم وتوقيرًا، فجعل صدورهم أوعية كتابه، ووفَّقهم لتلاوته آناء الليل وأطراف النهار؛ ليعظم لهم بذلك أجورًا، فترى وجوههم كالأقمار تتلألأ من الإشراق، وتبتهج سرورًا، وقد أخبر عنهم الصادق المصدوق ممثلًا بأنهم جراب مملوء مسكًا، وأَعْظِم بذلك فخرًا وتبشيرًا، فيا لها من نعمة طُهِّروا بها تطهيرًا! وحازوا بها عزًّا ومهابة وتحبيرًا؛ فهم أعلى الناس درجات في الجنان تخدمهم فيها الملائكة الكرام عشيًّا وبكورًا، ويقال لهم في الجنة تهنئة لهم وتبشيرًا: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢)} [الإنسان: ٢٢].
فسبحانه من إله عظيم تعالى في ملكه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)} [الإسراء: ٤٤].
أحمده سبحانه وتعالى حمد من قام بواجب تجويد كلامه، ومعرفة وقوفه، ونسأله من فيض فضله وإحسانه لطفًا وعناية وتيسيرًا، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له شهادة يغدو قلب قائلها مطمئنًا مستنيرًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله الذي اختاره الله من القدم حبيبًا ونبيًّا ورسولًا، وأرسله إلى الثقلين بشيرًا ونذيرًا، وقد أخذ له العهد والميثاق على سائر المخلوقات، وكتب له بذلك منشورًا.
أما بعد: فيقول العبد الفقير، القائم على قدمي العجز والتقصير، الراجي عفو ربه القدير أحمد ابن الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الكريم عامل الله الجميع بفضله العميم، وأسكنهم من إحسانه جنات النعيم، هذا تأليف لم يسألني فيه أحد؛ لعلمهم أني قليل البضاعة، غير دريٍّ بهذه الصناعة، فإني والله لست أهلًا لقول ولا عمل، وإني والله من ذلك على وَجَل، لكن الكريم يقبل من تطفل، ولا يخيب من عليه عوَّل؛ فإني بالعجز معلوم، ومثلي عن الخطأ غير معصوم، وبضاعتي مزجاة، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فشرعت فيما قصدت، وما لغيري وجدت، وذلك بعد لبثي حينًا من الدهر أتروَّى وأتأمل، وأنا إلى جميع ما تشتت من ذلك أميل، قادني إلى ذلك أمل ثواب الآخرة سائلًا من المولى الكريم الصواب والإعانة، متبرئًا من حولي وقوتي إلى من لا حول ولا قوة إلَّا به، والمأمول من ذي العزة والجلال أن ينفع به في الحال والمآل، وأن يكون تذكرة لنفسي في حياتي وأثرًا لي بعد وفاتي، فلا تكن ممن إذا رأى صوابًا غطَّاه، وإذا وجد سهوًا نادى عليه وأبداه، فمن رأى خطأ منصوصًا عليه فليضفه بطرته إليه، والنص عليه: