للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله»؛ على أنه منصوب بإضمار أعني؛ لأنهم لم يقروا بأنَّ عيسى ابن مريم رسول الله، فلو وصلنا «عيسى ابن مريم» بقوله: «رسول الله» -لذهب فهم السامع إلى أنَّه من تتمة كلام اليهود الذين حكى الله عنهم، وليس الأمر كذلك، وهذا التعليل يرقيه إلى التمام؛ لأنَّه أدل على المراد، وهو من باب صرف الكلام لما يصلح له، ووصله بما بعده أولى؛ فإنَّ رسول الله عطف بيان، أو بدل، أو صفة لعيسى كما أنَّ عيسى بدل من المسيح، وأيضًا فإنَّ قولهم: «رسول الله» هو على سبيل الاستهزاء منهم به كقول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧)} [الشعراء: ٢٧]، وهذا غاية في بيان هذا الوقف لمن تدبر،،، ولله الحمد (١).

{وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [١٥٧] حسن، ووقف نافع على «لفي شك منه»، أي: وما قتلوا الذي شبه لهم يقينًا أنَّه عيسى، بل قتلوه على شك، ومنهم من وقف على «ما لهم به من علم»، وجعل الاستثناء منقطعًا، ووقف على «قتلوه»، وجعل الضمير لعيسى، وابتدأ «يقينًا»، وجعل «يقينًا» متعلقًا بما بعده، أي: يقينًا لم يقتلوه، فـ «يقينًا» نعت لمصدر محذوف، فهو تقرير لنفي القتل، وليس «قتلوه» بوقف إن نصب «يقينًا» برفعه لما فيه أن ما بعد بل يعمل فيما قبلها، وذلك ضعيف، وقيل: الضمير في «قتلوه» يعود على «العلم»، أي: ما قتلوا العلم يقينًا، على حد قولهم قتلت العلم يقينًا، والرأي يقينًا، بل كان قتلهم عن ظن وتخمين، وقيل: يعود على الظن، فكأنه قيل: وما صح ظنهم، وما تحققوه يقينًا، فهو كالتهكم بهم، والذي نعتقده أنَّ المشبه هو الملك الذي كان في زمان عيسى، لما رفعه الله إليه، وفقدوه -أخرج لهم شخصًا، وقال لهم: هذا عيسى فقتله وصلبه، ولا يجوز أن يعتقد أنَّ الله ألقى شبه عيسى على واحد منهم، كما قال وهب بن منبه: لما هموا بقتل عيسى، وكان معه في البيت عشرة –قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل، ويدخل الجنة؟ فكل واحد منهم بادر، فألقى شبهه على العشرة، ورفع عيسى، فلما جاء الذين قصدوا القتل، وشبه عليهم، فقالوا: ليخرج عيسى، وإلَّا قتلناكم كلكم، فخرج واحد منهم، فقتل وصلب، وقيل: إنَّ اليهود لما هموا بقتله دخل عيسى بيتًا، فأمر الله جبريل أن يرفعه من طاق فيه إلى السماء، فأمر ملك اليهود رجلًا بإخراجه، فدخل عليه البيت فلم يجده فألقى الله شبه عيسى على ذلك الرجل، فلما خرج ظنوا أنَّه عيسى فقتلوه وصلبوه، ثم قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ واختلفوا فأنزل الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [١٥٧]، وهذا وأمثاله من السفسطة، وتناسخ الأرواح الذي لا تقول به أهل السُّنَّة (٢).

{وَمَا قَتَلُوهُ} [١٥٧] تام إن جعل «يقينًا» متعلقًا بما بعده كما تقدم، أي: بل رفعه الله إليه يقينًا، وإلَّا فليس بوقف.


(١) انظر: تفسير الطبري (٩/ ٣٦٣)، بتحقيق أحمد محمد شاكر -مؤسسة الرسالة.
(٢) انظر: المصدر السابق (٩/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>