للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بـ «تتقون» نصب المفعول به على المجاز، على حذف مضاف، أي: واتقوا عذاب الله يومًا، واختاره أبو علي النحوي، أو التقدير: فكيف تتقون يومًا الذي من شدته كذا وكذا، وليس ظرفًا؛ لأنَّ الكفر لا يكون يوم القيامة، أي: كيف تقون أنفسكم عذاب يوم يجعل الولدان شيبًا. وقال الأخفش: الوقف كفرتم، وجعل «يومًا» منصوبًا على الظرف، وجعل الفعل لله تعالى، والتقدير: يجعل الله الولدان شيبًا في يوم، وهذا ليس بمختار، والأصح: أنَّ الضمير في يجعل لليوم، ولا يجوز نصبه على الظرف؛ لأنَّهم لا يكفرون ذلك اليوم، بل يؤمنون لا محالة إذا عاينوا تلك الأهوال؛ لأنَّ اليوم هو الذي من شدة هوله يصير الولدان شيبًا، ويصير الكهل كالسكران. قال أمية بن أبي الصلت:

كُلُ عَيشٍ وَإِن تَطاوَلَ دَهرًا ... مُنتَهى أَمرُهُ إِلى أَن يَزولا

لَيتَني كُنتُ قَبلَ ما قَد بَدا لي ... في رُؤوسِ الجِبالِ أَرعى الوعولا

إِنَ يومَ الحِسابِ عَظيمٌ ... شابَ فيهِ الصَغيرُ يَوْمًا ثَقِيلًا (١)

وقيل: الوقف «تتقون»، والابتداء بقوله: «يومًا»، بتقدير: إحذروا يومًا يجعل الولدان شيبًا، وقيل: الوقف «شيبًا» على أنَّ في الآية تقديمًا وتأخيرًا، والمعنى: فكيف تتقون يومًا يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم في الدنيا، والأجود: أن لا يوقف عليه؛ لأنَّ ما بعده صفة «يومًا»، وقال أبو حاتم: الوقف «السماء منفطر به» أي: بذلك اليوم، وقرأ العامة بتنوين «يومًا»، والجملة بعده نعت له، والعائد محذوف، أي: يجعل الولدان فيه، وقرأ زيد بن عليّ (٢): «يومَ نَجعلُ» بإضافة الظرف للجملة، والفاعل ضمير «البارئ» و «شيبًا» مفعول ثان لـ «يجعل» والأصل فيه: أنَّ الهموم إذا تفاقمت أسرعت الشيب قال الشاعر:

لَعِبْن بِنَا شَيْبًا وَشَيَبْنَنَا وَمردا (٣)


(١) الأبيات من بحر الخفيف، وقائلها أمية ابن أبي الصلت كما ذكر المصنف، وأمية بن أبي الصلت تقدمت ترجمته.-الموسوعة الشعرية
(٢) وهي قراءة شاذة. انظر هذه القراءة في: البحر المحيط (٨/ ٣٦٥).
(٣) عجز بيت من بحر الطويل، وقائله الصَمَّة القُشَيري، وصدر البيت جاء فيه:
دعانِيَ من نجدٍ فإن سنينه

من قصيدة يقول في مطلعها:
خليلي إن قابلتما الهضب أوبدا ... لكم سند الودكاء أن تبكيا جهدا

الصَمَّة القُشَيري (? - ٩٥ هـ/? - ٧١٣ م) الصمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرة القشيري، من بني عامر بن صعصعة، من مضر، شاعر غزل بدوي، من شعراء العصر الأموي، ومن العشاق المتيمين، كان يسكن بادية العراق، وانتقل إلى الشام، ثم خرج غازيًا يريد بلاد الديلم، فمات في طبرستان.-الموسوعة الشعرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>