للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهْوَة فَفِي قَوْله يانساء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء ان اتقيتن فَلَا تخضعن بالْقَوْل فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض أَي لَا تلن فِي الْكَلَام فيطمع الَّذِي فِي قلبه فجور وزناء قَالُوا وَالْمَرْأَة يَنْبَغِي لَهَا اذا خاطبت الاجانب ان تغلظ كَلَامهَا وتقويه وَلَا تلينه وتكسره فان ذَلِك ابعد من الرِّيبَة والطمع فِيهَا وللقلب امراض اخر من الرِّيَاء وَالْكبر وَالْعجب والحسد وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَحب الرياسة والعلو فِي الارض وَهَذَا مرض مركب من مرض الشُّبْهَة والشهوة فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من تخيل فَاسد وارادة بَاطِلَة كالعجب وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالْكبر الْمركب من تخيل عَظمته وفضله وَإِرَادَة تَعْظِيم الْخلق لَهُ ومحمدتهم فَلَا يخرج مَرضه عَن شَهْوَة اَوْ شُبْهَة اَوْ مركب مِنْهُمَا وَهَذِه الامراض كلهَا مُتَوَلّدَة عَن الْجَهْل ودواؤها الْعلم كَمَا قَالَ النَّبِي فِي حَدِيث صَاحب الشَّجَّة الَّذِي افتوه بِالْغسْلِ فَمَاتَ قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله الا سَأَلُوا اذ لم يعلمُوا انما شِفَاء العي السُّؤَال فَجعل العي وَهُوَ عي الْقلب عَن الْعلم وَاللِّسَان عَن النُّطْق بِهِ مَرضا وشفاؤه سُؤال الْعلمَاء فأمراض الْقُلُوب اصعب من امراض الابدان لَان غَايَة مرض الْبدن ان يُفْضِي بِصَاحِبِهِ الى الْمَوْت وَأما مرض الْقلب فيفضي بِصَاحِبِهِ الى الشَّقَاء الابدي وَلَا شِفَاء لهَذَا الْمَرَض الا بِالْعلمِ وَلِهَذَا سمى الله تَعَالَى كِتَابه شِفَاء لامراض الصُّدُور وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا النَّاس قد جاءتكم موعظة من ربكُم مِنْهُ وشفاء لما فِي الصُّدُور وَهدى وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَلِهَذَا السَّبَب نِسْبَة الْعلمَاء الى الْقُلُوب كنسبة الاطباء الى الابدان وَمَا يُقَال للْعُلَمَاء اطباء الْقُلُوب فَهُوَ لقدر مَا جَامع بَينهمَا والا فالامر اعظم فان كثيرا من الامم يستغنون عَن الاطباء وَلَا يُوجد الاطباء الا فِي الْيَسِير من الْبِلَاد وَقد يعِيش الرجل عمره اَوْ بُرْهَة مِنْهُ لَا يحْتَاج الى طَبِيب واما الْعلمَاء بِاللَّه وامره فهم حَيَاة الْمَوْجُود وروحه وَلَا يسْتَغْنى عَنْهُم طرفَة عين فحاجة الْقلب الى الْعلم لَيست كالحاجة الى التنفس فِي الْهَوَاء بل اعظم وَبِالْجُمْلَةِ فالعلم للقلب مثل المَاء للسمك اذا فَقده مَاتَ فنسبة الْعلم الى الْقلب كنسبة ضوء الْعين اليها وكنسبة سمع الاذن وكنسبة كَلَام اللِّسَان اليه فَإِذا عَدمه كَانَ كَالْعَيْنِ العمياء والاذن الصماء وَاللِّسَان الاخرس وَلِهَذَا يصف سُبْحَانَهُ اهل الْجَهْل بالعمى والصم والبكم وَذَلِكَ صفة قُلُوبهم حَيْثُ فقدت الْعلم النافع فَبَقيت على عماها وصممها وبكمها قَالَ تَعَالَى {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا} وَالْمرَاد عمى الْقلب فِي الدُّنْيَا وَقَالَ تَعَالَى {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكما وصما مأواهم جَهَنَّم} لانهم هَكَذَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا وَالْعَبْد يبْعَث على مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَاخْتلف فِي هَذَا الْعَمى فِي الاخرة فَقيل هوعمى البصيرة بِدَلِيل اخباره تَعَالَى عَن رُؤْيَة الْكفَّار مَا فِي الْقِيَامَة ورؤية الْمَلَائِكَة ورؤية النَّار وَقيل هُوَ عمي الْبَصَر وَرجح هَذَا بَان الاطلاق ينْصَرف اليه وَبِقَوْلِهِ {قَالَ رب لم حشرتني أعمى وَقد كنت بَصيرًا} وَهَذَا عمي الْعين فان الْكَافِر لم يكن بَصيرًا بحجته واجاب هَؤُلَاءِ عَن رُؤْيَة الْكفَّار

<<  <  ج: ص:  >  >>