للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْقِيَامَة بِأَن الله يخرجهم من قُبُورهم الى موقف الْقِيَامَة بصراء ويحشرون من الْموقف الى النَّار عميا قَالَه الْفراء وَغَيره الْوَجْه الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ ان الله سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ سلط على العَبْد عدوا عَالما بطرق هَلَاكه واسباب الشَّرّ الَّذِي يلقيه فِيهِ متفننا فِيهَا خَبِيرا بهَا حَرِيصًا عَلَيْهَا لايفتر يقظة وَلَا مناما وَلَا بُد لَهُ من وَاحِدَة من سِتّ ينالها مِنْهُ احدها وَهِي غَايَة مُرَاده مِنْهُ ان يحول بَينه وَبَين الْعلم والايمان فيلقيه فِي الْكفْر فَإِذا ظفر بذلك فرغ مِنْهُ واستراح فان فَاتَتْهُ هَذِه وَهدى للاسلام حرص على تلو الْكفْر وَهِي الْبِدْعَة وَهِي احب اليه من الْمعْصِيَة فان الْمعْصِيَة يُتَاب مِنْهَا والبدعة لَا يُتَاب مِنْهَا لَان صَاحبهَا يرى انه على هدى وَفِي بعض الاثار يَقُول ابليس اهلكت بني آدم بِالذنُوبِ واهلكوني بالاستغفار وَبلا اله الا الله فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك بثثت فيهم الاهواء فهم يذنبون وَلَا يتوبون لانهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فاذا ظفر مِنْهُ بِهَذِهِ صيره من رعاته وامرائه فان اعجزته شغله بِالْعَمَلِ الْمَفْضُول عَمَّا هُوَ افضل مِنْهُ ليرتج عَلَيْهِ الَّذِي بَينهمَا وَهِي الْخَامِسَة فان اعجزه ذَلِك صَار الى السَّادِسَة وَهِي تسليط حزبه عَلَيْهِ يؤذونه ويشتمونه ويبهتونه ويرمونه بالعظائم ليحزنه ويشغل قلبه عَن الْعلم والارادة وَسَائِر اعماله فَكيف يُمكن ان يحْتَرز مِنْهُ من لَا علم لَهُ بِهَذِهِ الامور وَلَا بعدوه وَلَا بِمَا يحصنه مِنْهُ فانه لَا ينجو من عدوه الا من عرفه وَعرف طَرِيقه الَّتِي يَأْتِيهِ مِنْهَا وجيشه الَّذِي يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهِ وَعرفت دَاخله ومخارجه وَكَيْفِيَّة محاربته وَبِأَيِّ شَيْء يحاربه وبماذا يداوى جراحته وَبِأَيِّ شَيْء يستمد الْقُوَّة لقتاله وَدفعه وَهَذَا كُله لَا يحصل الا بِالْعلمِ فالجاهل فِي غَفلَة وعمى عَن هَذَا الامر الْعَظِيم والخطب الجسيم وَلِهَذَا جَاءَ ذكر الْعَدو وشأنه وَجُنُوده ومكايده فِي الْقُرْآن كثيرا جدا لحَاجَة النُّفُوس الى معرفَة عدوها وطرق محاربته ومجاهدته فلولا ان الْعلم يكْشف عَن هَذَا لما نجا من نجا مِنْهُ فالعلم هُوَ الَّذِي تحصل بِهِ النجَاة الْوَجْه التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ ان اعظم الاسباب الَّتِي يحرم بهَا العَبْد خير الدُّنْيَا والاخرة وَلَذَّة النَّعيم فِي الدَّاريْنِ وَيدخل عَلَيْهِ عَدو مِنْهَا هُوَ الْغَفْلَة المضادة للْعلم والكسل المضاد للارادة والعزيمة هَذَانِ اصل بلَاء العَبْد وحرمانه منَازِل السُّعَدَاء وهما من عدم الْعلم اما الْغَفْلَة فمضادة للْعلم مُنَافِيَة لَهُ وَقد ذمّ سُبْحَانَهُ اهلها وَنهى عَن الْكَوْن مِنْهُم وَعَن طاعتهم وَالْقَبُول مِنْهُم قَالَ تَعَالَى ولاتكن من الغافلين وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا} وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ والانس لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم اعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا اولئك كالانعام بل هم اضل واولئك هم الغافلون وَقَالَ النَّبِي فِي وَصيته لِنسَاء الْمُؤمنِينَ لَا تغفلن فتنسين الرَّحْمَة وَسُئِلَ بعض الْعلمَاء عَن عشق الصُّور فَقَالَ قُلُوب غفلت عَن ذكر الله فابتلاها الله بعبودية غَيره فالقلب الغافل مأوى

<<  <  ج: ص:  >  >>