للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤمن اولى بِهَذِهِ التَّسْمِيَة لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الْخَيْر وَالْمَنَافِع وَقَوله فَخَيرهَا اوعاها يُرَاد بِهِ اسرعها وعيا واثبتها وعيا وَيُرَاد بِهِ ايضا احسنها وعيا فَيكون حسن الوعي الَّذِي هُوَ إيعاء لما يُقَال لَهُ فِي قلبه هُوَ سرعته وكثرته وثباته والوعاء من مَادَّة الوعي فَإِنَّهُ آلَة مَا يوعى فِيهِ كالغطاء والفراش والبساط وَنَحْوهَا ويوصف بذلك الْقلب والاذن كَقَوْلِه تَعَالَى إِنَّا لما طَغى المَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة لنجعلها لكم تذكرة وَتَعيهَا اذن وَاعِيَة قَالَ قَتَادَة اذن سَمِعت وعقلت عَن الله مَا سَمِعت وَقَالَ الْفراء لتحفظها كل اذن فَتكون عظة لمن يَأْتِي بعد فالوعي تُوصَف بِهِ الاذن كَمَا يُوصف بِهِ الْقلب يُقَال قلب واع وَأذن وَاعِيَة لما بَين الاذن وَالْقلب من الارتباط فالعلم يدْخل من الاذن الى الْقلب فَهِيَ بَابه وَالرَّسُول الْموصل اليه الْعلم كَمَا ان اللِّسَان رَسُوله الْمُؤَدى عَنهُ وَمن عرف ارتباط الْجَوَارِح بِالْقَلْبِ علم ان الاذن احقها ان تُوصَف بالوعي وانها إِذا وعت وعي الْقلب وَفِي حَدِيث جَابر فِي الْمثل الَّذِي ضَربته الْمَلَائِكَة للنَّبِي ولأمته وَقَول الْملك لَهُ اسْمَع سَمِعت اذنك وعقل قَلْبك فَلَمَّا كَانَ الْقلب وعاءا والاذن مدْخل ذَلِك الْوِعَاء وبابه كَانَ حُصُول الْعلم مَوْقُوفا على حسن الِاسْتِمَاع وعقل الْقلب وَالْعقل هُوَ ضبط مَا وصل الى الْقلب وإمساكه حَتَّى لايتفلت مِنْهُ وَمِنْه عقل الْبَعِير وَالدَّابَّة والعقال لما يعقل بِهِ وعقل الانسان يُسمى عقلا لانه يعقله عَن اتِّبَاع الغي والهلاك وَلِهَذَا يُسمى حجرا لانه يمْنَع صَاحبه كَمَا يمْنَع الْحجر مَا حواه فعقل الشَّيْء اخص من علمه ومعرفته لَان صَاحبه يعقل مَا علمه فَلَا يَدعه يذهب كَمَا تعقل الدَّابَّة الَّتِي يخَاف شرودها وللادراك مَرَاتِب بَعْضهَا اقوى من بعض فاولها الشُّعُور ثمَّ الْفَهم ثمَّ الْمعرفَة ثمَّ الْعلم ثمَّ الْعقل ومرادنا بِالْعقلِ الْمصدر لَا الْقُوَّة الغريزية الَّتِي ركبهَا الله فِي الانسان فَخير الْقُلُوب مَا كَانَ واعيا للخير ضابطا لَهُ وَلَيْسَ كالقلب القاسي الَّذِي لايقبله فَهَذَا قلب حجري وَلَا كالمائع الاخرق الَّذِي يقبل وَلَكِن لَا يحفظ وَلَا يضْبط فتفهيم الاول كالرسم فِي الْحجر وتفهيم الثَّانِي كالرسم على المَاء بل خير الْقُلُوب مَا كَانَ لينًا صلبا يقبل بلينه مَا ينطبع فِيهِ ويحفظ صورته بصلابته فَهَذَا تفهيمه كالرسم فِي الشمع وَشبهه وَقَوله النَّاس ثَلَاثَة فعالم رباني ومتعلم على سَبِيل النجَاة همج رعاع هَذَا تَقْسِيم خَاص للنَّاس وَهُوَ الْوَاقِع فَإِن العَبْد إِمَّا ان يكون قد حصل كَمَاله من الْعلم وَالْعَمَل اولا فالاول الْعَالم الرباني وَالثَّانِي اما ان تكون نَفسه متحركة فِي طلب ذَلِك الْكَمَال ساعية فِي إِدْرَاكه اولا وَالثَّانِي هُوَ المتعلم على سَبِيل النجَاة الثَّالِث وَهُوَ الهمج الرعاج فالاول هُوَ الْوَاصِل وَالثَّانِي هُوَ الطَّالِب وَالثَّالِث هُوَ المحروم والعالم الرباني قَالَ ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا هُوَ الْمعلم اخذه من التربية أَي يربى النَّاس بِالْعلمِ ويربيهم بِهِ كَمَا يربى الطِّفْل ابوه وَقَالَ سعيد بن جُبَير هُوَ الْفَقِيه الْعَلِيم الْحَكِيم قَالَ سِيبَوَيْهٍ زادوا الْفَا ونونا فِي الرباني إِذا ارادوا تَخْصِيصًا بِعلم الرب تبَارك وَتَعَالَى كَمَا قَالُوا أشعر اني ولحياني ومعني قَول سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله ان هَذَا الْعَالم لما نسب الى علم الرب تَعَالَى الَّذِي بعث بِهِ رَسُوله

<<  <  ج: ص:  >  >>