للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا فِي الصُّدُور فَإِذا كَانَت هَذِه غَايَة اللَّذَّات الحيوانية الَّتِي هِيَ غَايَة جمع الاموال وطلبها فَمَا الظَّن بِقدر الْوَسِيلَة وَأما غنى الْعلم والايمان فدائم اللَّذَّة مُتَّصِل الفرحة مُقْتَض لانواع المسرة والبهجة لايزول فيحزن وَلَا يُفَارق فيؤلم بل اصحابه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فيهم {لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ ان غنى المَال يبغض الْمَوْت ولقاء الله فَإِنَّهُ لحبه لمَاله يكره مُفَارقَته وَيُحب بَقَاءَهُ ليتمتع بِهِ كَمَا شهد بِهِ الْوَاقِع وَأما الْعلم فَإِنَّهُ يحبب للْعَبد لِقَاء ربه ويزهده فِي هَذِه الْحَيَاة النكدة الفانية السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ ان الاغنياء يَمُوت ذكرهم بموتهم وَالْعُلَمَاء يموتون وَيبقى ذكرهم كَمَا قَالَ امير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا الحَدِيث مَاتَ خزان الاموال وهم احياء وَالْعُلَمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر فخزان الاموال احياء كاموات وَالْعُلَمَاء بعدموتهم اموات كأيحاء الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ ان نِسْبَة الْعلم الى الرّوح كنسبة الرّوح الى الْبدن فالروح ميتَة حَيَاتهَا بِالْعلمِ كَمَا ان الْجَسَد ميت حَيَاته بِالروحِ فالغني بِالْمَالِ غَايَته ان يزِيد فِي حَيَاة الْبدن واما الْعلم فَهُوَ حَيَاة الْقُلُوب والارواح كَمَا تقدم تَقْرِيره التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ ان الْقلب ملك الْبدن وَالْعلم زينته وعدته وَمَاله وَبِه قوام ملكه وَالْملك لَا بُد لَهُ من عدد وعدة وَمَال وزينة فالعلم هُوَ مركبه وعدته وجماله واما المَال فغايته ان يكون زِينَة وجمالا للبدن إِذا انفقه فِي ذَلِك فَإِذا خزنه وَلم يُنْفِقهُ لم يكن زِينَة وَلَا جمالا بل نقصا ووبالا وَمن الْمَعْلُوم ان زِينَة الْملك بِهِ وَمَا بِهِ قوام ملكه اجل وافضل من زِينَة رَعيته وجمالهم فقوام الْقلب بِالْعلمِ كَمَا ان قوام الْجِسْم بالغذاء الْوَجْه الاربعون ان الْقدر الْمَقْصُود من المَال هُوَ مَا يَكْفِي العَبْد ويقيمه وَيدْفَع ضَرُورَته حَتَّى يتَمَكَّن من قَضَاء جهازه وَمن التَّزَوُّج لسفره الى ربه عزوجل فَإِذا زادعلى ذَلِك شغله وقطعه عَن السّفر وَعَن قَضَاء جهازه وتعبية زَاده فَكَانَ ضَرَره عَلَيْهِ أَكثر من مصْلحَته وَكلما ازاداد غناهُ بِهِ ازْدَادَ تثبطا وتخلفا عَن التجهز لما امامه وَأما الْعلم النافع فَكلما ازْدَادَ مِنْهُ ازْدَادَ فِي تعبية الزَّاد وَقَضَاء الجهاز واعداد عدَّة الْمسير وَالله الْمُوفق وَبِه الِاسْتِعَانَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِهِ فَعدَّة هَذَا السّفر هُوَ الْعلم وَالْعَمَل وعدة الاقامة جمع الاموال والادخار وَمن اراد شَيْئا هيأ لَهُ عدته قَالَ تَعَالَى {وَلَو أَرَادوا الْخُرُوج لأعدوا لَهُ عدَّة وَلَكِن كره الله انبعاثهم فَثَبَّطَهُمْ وَقيل اقعدوا مَعَ القاعدين} قَوْله محبَّة الْعلم اَوْ الْعَالم دين يدان بهَا لَان الْعلم مِيرَاث الانبياء وَالْعُلَمَاء ورثتهم فمحبة الْعلم واهله محبَّة لميراث الانبياء وورثتهم وبغض الْعلم وَأَهله بغض لميراث الانبياء وورثتهم فمحبة الْعلم من عَلَامَات السَّعَادَة وبغض الْعلم من عَلَامَات الشقاوة وَهَذَا كُله إِنَّمَا هُوَ فِي علم الرُّسُل الَّذِي جاؤا بِهِ وورثوه للامة لَا فِي كل مَا يُسمى علما وايضا فَإِن محبَّة الْعلم تحمل على تعلمه واتباعه وَذَلِكَ هُوَ الدّين وبغضه ينْهَى عَن تعلمه واتباعه

<<  <  ج: ص:  >  >>