للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْميتَة وَالدَّم وَإِنَّمَا الشَّهْوَة وَقَضَاء الوطر يشق على الرجل تحمله وكف النَّفس عَنهُ لضَعْفه وَقلة صبره فرحمه أرْحم الرَّاحِمِينَ وأباح لَهُ أطيب النِّسَاء وأحسنهن أَرْبعا من الْحَرَائِر وَمَا شَاءَ من ملك يَمِينه من الْإِمَاء فَإِن عجز عَن ذَلِك أَبَاحَ لَهُ نِكَاح الْأمة رَحْمَة بِهِ وتخفيفا عَنهُ لضَعْفه وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فمما ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات وَالله أعلم بإيمانكم إِلَى قَوْله {وَالله يُرِيد أَن يَتُوب عَلَيْكُم وَيُرِيد الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات أَن تميلوا ميلًا عَظِيما يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَنه شرع لَهُم هَذِه الْأَحْكَام تَخْفِيفًا عَنْهُم لضعفهم وَقلة صبرهم رَحْمَة بهم وإحسانا إِلَيْهِم فَلَيْسَ هَاهُنَا ضَرُورَة تبيح الْمَحْظُور وَإِنَّمَا هِيَ مصلحَة أرجح من مصلحَة ومفسدة أقل من مفْسدَة فَاخْتَارَ لَهُم أعظم المصلحتين وَأَن فَاتَت أدناهما وَدفع عَنْهُم أعظم المفسدتين وَأَن فَاتَت أدناهما وَهَذَا شَأْن الْحَكِيم اللَّطِيف الْخَبِير الْبر المحسن وَإِذا تَأَمَّلت شرائع دينه الَّتِي وَضعهَا بَين عباده وَجدتهَا لَا تخرج عَن تَحْصِيل الْمصَالح الْخَالِصَة أَو الراجحة بِحَسب الْإِمْكَان وان تزاحمت قدم أهمها وأجلها وَأَن فَاتَت أدناهما وتعطيل الْمَفَاسِد الْخَالِصَة أَو الراجحة بِحَسب الْإِمْكَان وَأَن تزاحمت عطل أعظمها فَسَادًا بِاحْتِمَال أدناهما وعَلى هَذَا وضع أحكم الْحَاكِمين شرائع دينه دَالَّة عَلَيْهِ شاهدة لَهُ بِكَمَال علمه وحكمته ولطفه بعباده وإحسانه إِلَيْهِم وَهَذِه الْجُمْلَة لَا يستريب فِيهَا من لَهُ ذوق من الشَّرِيعَة وارتضاع من ثديها وورود من صفو حَوْضهَا وَكلما كَانَ تضلعه مِنْهَا أعظم كَانَ شُهُوده لمحاسنها ومصالحها أكمل وَلَا يُمكن أحد من الْفُقَهَاء أَن يتَكَلَّم فِي مآخذ الْأَحْكَام وعللها والأوصاف المؤثرة فِيهَا حَقًا وفرقا إِلَّا على هَذِه الطَّرِيقَة وَأما طَريقَة إِنْكَار الحكم التَّعْلِيل وَنفي الْأَوْصَاف الْمُقْتَضِيَة لحسن مَا أَمر بِهِ وقبح مَا نهى عَنهُ وتأثيرها واقتضائها للحب والبغض الَّذِي هُوَ مصدر الْأَمر وَالنَّهْي بطريقة جدلية كلامية لَا يتَصَوَّر بِنَاء الْأَحْكَام عَلَيْهَا وَلَا يُمكن فَقِيها أَن يستعملها فِي بَاب وَاحِد من أَبْوَاب الْفِقْه كَيفَ وَالْقُرْآن وَسنة رَسُول الله مملوآن من تَعْلِيل الْأَحْكَام بالحكم والمصالح وتعليل الْخلق بهما والتنبيه على وُجُوه الحكم الَّتِي لأَجلهَا شرع تِلْكَ الإحكام ولأجلها خلق تِلْكَ الْأَعْيَان وَلَو كَانَ هَذَا فِي الْقُرْآن وَالسّنة فِي نَحْو مائَة مَوضِع أَو مِائَتَيْنِ لسقناها وَلكنه يزِيد على ألف مَوضِع بطرق متنوعة فَتَارَة يذكر لَام التَّعْلِيل الصَّرِيحَة وَتارَة يذكر الْمَفْعُول لأَجله الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود بِالْفِعْلِ وَتارَة يذكر من أجل الصَّرِيحَة فِي التَّعْلِيل وَتارَة يذكر أَدَاة كي وَتارَة يذكر الْفَاء وَأَن وَتارَة يذكر أَدَاة لَعَلَّ المتضمنة للتَّعْلِيل الْمُجَرَّدَة عَن معنى الرَّجَاء الْمُضَاف إِلَى الْمَخْلُوق وَتارَة يُنَبه على السَّبَب يذكرهُ صَرِيحًا وَتارَة يذكر الْأَوْصَاف المشتقة الْمُنَاسبَة لتِلْك الْأَحْكَام ثمَّ يرتبها عَلَيْهَا تَرْتِيب المسببات على أَسبَابهَا وَتارَة يُنكر على من زعم أَنه خلق خلقه وَشرع دينه عَبَثا وسدى وَتارَة يُنكر على من ظن أَنه يسوى

<<  <  ج: ص:  >  >>