للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَين الْمُخْتَلِفين اللَّذين يقتضيان أثرين مُخْتَلفين وَتارَة يُخَيّر بِكَمَال حكمته وَعلمه الْمُقْتَضى أَنه لَا يفرق بَين متماثلين وَلَا يسوى بَين مُخْتَلفين وَأَنه ينزل الْأَشْيَاء منازلها ويرتبها مراتبها وَتارَة يستدعى من عباده التفكر والتأمل والتدبر والتعقل لحسن مَا بعث بِهِ رَسُوله وشرعه لِعِبَادِهِ كَمَا يستدعى مِنْهُم التفكر وَالنَّظَر فِي مخلوقاته وَحكمهَا وَمَا فِيهَا من الْمَنَافِع والمصالح وَتارَة يذكر مَنَافِع مخلوقاته منبها بهَا على ذَلِك وَأَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَتارَة يخْتم آيَات خلقه وَأمره بأسماء وصفات تناسبها وتقتضيها وَالْقُرْآن مَمْلُوء من أَوله إِلَى آخِره بِذكر حكم الْخلق وَالْأَمر ومصالحهما ومنافعهما وَمَا تضمناه من الْآيَات الشاهدة الدَّالَّة عَلَيْهِ وَلَا يُمكن من لَهُ أدني اطلَاع على مَعَاني الْقُرْآن إِنْكَار ذَلِك وَهل جعل الله سُبْحَانَهُ فِي فطر الْعباد اسْتِوَاء الْعدْل وَالظُّلم والصدق وَالْكذب والفجور والعفة وَالْإِحْسَان والإساءة وَالصَّبْر وَالْعَفو وَالِاحْتِمَال والطيش والانتقام والحدة وَالْكَرم والسماحة والبذل وَالْبخل وَالشح والإمسام بل الْفطْرَة على الْفرْقَان بَين ذَلِك كالفطرة على قبُول الأغذية النافعة وَترك مَالا ينفع وَلَا يغذي وَلَا فرق فِي الْفطْرَة بَينهمَا أصلا وَإِذا تَأَمَّلت الشَّرِيعَة الَّتِي بعث الله بهَا رَسُوله حق التَّأَمُّل وَجدتهَا من أَولهَا إِلَى آخرهَا شاهدة بذلك ناطقة بِهِ وَوجدت الْحِكْمَة والمصلحة وَالْعدْل وَالرَّحْمَة باديا على صفحاتها مناديا عَلَيْهَا يَدْعُو الْعُقُول والألباب إِلَيْهَا وَأَنه لَا يجوز على أحكم الْحَاكِمين وَلَا يَلِيق بِهِ أَن يشرع لِعِبَادِهِ مَا يضادها وَذَلِكَ لِأَن الَّذِي شرعها علم مَا فِي خلَافهَا من الْمَفَاسِد والقبائح وَالظُّلم والسفه الَّذِي يتعالى عَن أَرَادَتْهُ وشرعه وَأَنه لَا يصلح الْعباد إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا سَعَادَة لَهُم بِدُونِهَا الْبَتَّةَ فَتَأمل محَاسِن الْوضُوء بَين يَدي الصَّلَاة وَمَا تضمنه من النَّظَافَة والنزاهة ومجانبة الأوساخ والمستقذرات وَتَأمل كَيفَ وضع على الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ آلَة الْبَطْش وَالْمَشْي وَمجمع الْحَواس الَّتِي تعلق أَكثر الذُّنُوب والخطايا بهَا وَلِهَذَا خصها النَّبِي صلى الله علية وَسلم بِالذكر فِي قَوْله إِن الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا أدْرك ذَلِك وَلَا محَالة فالعين تَزني وزناها النّظر وَالْأُذن تَزني وزناها الِاسْتِمَاع وَالْيَد تَزني وزناها الْبَطْش وَالرجل تَزني وزناها الْمَشْي وَالْقلب يتمني ويشتهي والفرج يصدق ذَلِك ويكذبه فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْأَعْضَاء هِيَ أَكثر الْأَعْضَاء مُبَاشرَة للمعاصي كَانَ وسخ الذُّنُوب ألصق بهَا وأعلق من غَيرهَا فشرع أحكم الْحَاكِمين الْوضُوء عَلَيْهَا ليتضمن نظافتها وطهارتها من الأوساخ الحسية وأوساخ الذُّنُوب والمعاصي وَقد أَشَارَ النَّبِي إِلَى هَذَا الْمَعْنى بقوله إِذا تَوَضَّأ العَبْد الْمُسلم خرجت خطاياه مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قَطْرَة من المَاء حَتَّى يخرج من تَحت أَظْفَاره وَقَالَ أَبُو إِمَامَة يَا رَسُول الله كَيفَ الْوضُوء فَقَالَ أما فَإنَّك إِذا تَوَضَّأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بَين أظفارك وَأَنا ملك فَإِذا مضمضت واستنشقت بمنخريك وغسلت وَجهك ويديك إِلَى الْمرْفقين ومسحت

<<  <  ج: ص:  >  >>