للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِأَنَّهُ أَن لم يتَمَكَّن العَبْد من فعله وَتَركه فَوَاضِح وَأَن كَانَ مُتَمَكنًا من فعله وَتَركه كَانَ جَائِزا فَأَما أَن يفْتَقر تَرْجِيح الفاعلية على التاركية إِلَى مُرَجّح أَولا فَأن لم يفْتَقر كَانَ اتفاقيا والاتفاق لَا يُوصف بالْحسنِ والقبح وان افْتقر إِلَى مُرَجّح فَهُوَ مَعَ مرجحه أما أَن يكون لَازِما وَأما جَائِزا فَإِن كَانَ لَازِما فَهُوَ اضطراري وَأَن كَانَ جَائِزا عَاد التَّقْسِيم فإمَّا أَن ينتهى إِلَى مَا يكون لَازِما فَيكون ضَرُورِيًّا أَولا فينتهى إِلَيْهِ فيتسلسل وَهُوَ محَال أَن يكون إتفاقيا فَلَا يُوصف بِحسن وَلَا قبح فَهَذَا الدَّلِيل هُوَ الَّذِي يصول بِهِ ويجول وَيثبت بِهِ الْجَبْر وَيرد بِهِ على الْقَدَرِيَّة وينفي بِهِ التحسين والتقبيح وَهُوَ فَاسد من وُجُوه مُتعَدِّدَة أَحدهَا أَنه يتَضَمَّن التَّسْوِيَة بَين الْحَرَكَة الضرورية والاختيارية وَعدم التَّفْرِيق بَينهمَا وَهُوَ بَاطِل بِالضَّرُورَةِ والحس وَالشَّرْع فالاستدلال على أَن فعل العَبْد غير اخْتِيَاري اسْتِدْلَال على مَا هُوَ مَعْلُوم الْبطلَان ضَرُورَة وحسا وَشرعا فَهُوَ بِمَنْزِلَة الِاسْتِدْلَال على الْجمع بَين النقيضين وعَلى وجود الْمحَال

الْوَجْه الثَّانِي لَو صَحَّ الدَّلِيل الْمَذْكُور لزم مِنْهُ أَن يكون الرب تَعَالَى غير مُخْتَار فِي فعله لِأَن التَّقْسِيم الْمَذْكُور والترديد جَار فِيهِ بِعَيْنِه بِأَن يُقَال فعله تَعَالَى إِمَّا أَن يكون لَازِما أَو جَائِزا فان كَانَ لَازِما كَانَ ضَرُورِيًّا وان كَانَ جَائِزا فان احْتَاجَ إِلَى مُرَجّح عَاد التَّقْسِيم وَإِلَّا فَهُوَ اتفاقي وَيَكْفِي فِي بطلَان الدَّلِيل الْمَذْكُور إِن يسْتَلْزم كَون الرب غير مُخْتَار الْوَجْه الثَّالِث أَن الدَّلِيل الْمَذْكُور لَو صَحَّ لزم بطلَان الْحسن والقبح الشرعيين لِأَن فعل العَبْد ضَرُورِيّ أَو اتفاقي وَمَا كَانَ كَذَلِك فَإِن الشَّرْع لَا يُحسنهُ وَلَا يقبحه لِأَنَّهُ لَا يرد بالتكليف بِهِ فضلا عَن أَن يَجعله مُتَعَلق الْحسن والقبح

الْوَجْه الرَّابِع قَوْله إِمَّا أَن يكون الْفِعْل لَازِما أَو جَائِزا قُلْنَا هُوَ لَازم عِنْد مرجحه التَّام وَكَانَ مَاذَا قَوْلك يكون ضَرُورِيًّا أتعني بِهِ أَنه لَا بُد مِنْهُ أَو تَعْنِي بِهِ أَنه لَا يكون اختياريا فَإِن عنيت الأول منعنَا انْتِفَاء اللَّازِم فانه لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون غير مُخْتَار وَيكون حَاصِل الدَّلِيل إِن كَانَ لَا بُد مِنْهُ فَلَا بُد مِنْهُ وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون غير اخْتِيَاري وَإِن عنيت الثَّانِي وَهُوَ أَنه لَا يكون اختياريا منعنَا الْمُلَازمَة إِذْ لَا يلْزم من كَونه لَا بُد مِنْهُ أَن يكون غير اخْتِيَاري وَأَنت لم تذكر على ذَلِك دَلِيلا بل هِيَ دَعْوَى مَعْلُومَة الْبطلَان بِالضَّرُورَةِ الْوَجْه الْخَامِس أَن يُقَال هُوَ جَائِز قَوْلك أما أَن يتَوَقَّف ترجح الفاعلية على التاركية على مُرَجّح أَولا قُلْنَا يتَوَقَّف على مُرَجّح قَوْلك عِنْد الْمُرَجح إِمَّا أَن يجب أَو يبْقى جَائِزا قُلْنَا هُوَ وَاجِب بالمرجح جَائِز بِالنّظرِ إِلَى ذَاته والمرجح هُوَ الإختيار وَمَا وَجب بالإختيار لَا يُنَافِي أَن يكون اختياريا فلزوم الْفِعْل بالإختيار لَا يُنَافِي كَونه اختياريا الْوَجْه السَّادِس أَن هَذَا الدَّلِيل الَّذِي ذكرته بِعَيْنِه حجَّة على أَنه اخْتِيَاري لِأَنَّهُ وَجب بِالِاخْتِيَارِ وَمَا وَجب بِالِاخْتِيَارِ لَا يكون إِلَّا اختياريا وَإِلَّا كَانَ اختياريا غير اخْتِيَاري وَهُوَ جمع بَين النقيضين وَالدَّلِيل الْمَذْكُور حجَّة على

<<  <  ج: ص:  >  >>