للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ لأكذبن غَدا إِذا فَإِنَّهُ لَا يخلوا إِمَّا أَن يكذب فِي الْغَد أَو يصدق فَإِن كذب لزم قبحه لكَونه كذبا وَحسنه لاستلزامه مُصدق الْخَبَر الأول والمستلزم لِلْحسنِ حسن فيجتمع فِي الْخَبَر الثَّانِي الْحسن والقبح وهما نقيضان وَإِن صدق لزم حسن الْخَبَر الثَّانِي من حَيْثُ أَنه صدق فِي نَفسه وقبحه من حَيْثُ أَنه مُسْتَلْزم لكذب الْخَبَر الأول فَلَزِمَ النقيضان قَالُوا وَأَيْضًا فَلَو كَانَ الْقَتْل وَالْجَلد وَقطع الاطراف قبيحا لذاته أَو لصفة لَازِمَة للذات لم يكن حسنا فِي الْحُدُود وَالْقصاص لِأَن مُقْتَضى الذَّات لَا يتَخَلَّف عَنْهَا فَإِذا تخلف فِيمَا ذكرنَا من الصُّور وَغَيرهَا دلّ على أَنه لَيْسَ ذاتيا فَهَذَا تَقْرِير هَذَا المسلك وَهُوَ من أفسد المسالك لوجوه أَحدهَا أَن كَون الْفِعْل حسنا أَو قبيحا لذاته أَو لصفة لم يعن بِهِ أَن ذَلِك يقوم بِحَقِيقَة لَا يَنْفَكّ عَنْهَا بِحَال مثل كَونه عرضا وَكَونه مفتقرا إِلَى مَحل يقوم بِهِ وَكَون الْحَرَكَة حَرَكَة والسواد لونا وَمن هَا هُنَا غلط علينا المنازعون لنا فِي المسئلة وألزمونا مَالا يلْزمنَا وَإِنَّمَا نعنى بِكَوْنِهِ حسنا أَو قبيحا لذاته أَو لصفته أَنه فِي نَفسه منشأ للْمصْلحَة والمفسدة وترتيبهما عَلَيْهِ كترتيب المسببات على أَسبَابهَا الْمُقْتَضِيَة لَهَا وَهَذَا كترتيب الرّيّ على الشّرْب والشبع على الْأكل وترتب مَنَافِع الأغذية والأدوية ومضارها عَلَيْهَا فَحسن الْفِعْل أَو قبحه هُوَ من جنس كَون الدَّوَاء الْفُلَانِيّ حسنا نَافِعًا أَو قبيحا ضارا وَكَذَلِكَ الْغذَاء واللباس والمسكن وَالْجِمَاع والاستفراغ وَالنَّوْم والرياضة وَغَيرهَا فَإِن ترَتّب آثارها عَلَيْهَا ترَتّب المعلومات والمسببات على عللها وأسبابها وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال والأماكن وَالْمحل الْقَابِل وَوُجُود الْمعَارض فَتخلف الشِّبَع والري عَن الْخبز وَاللَّحم وَالْمَاء فِي حق الْمَرِيض وَمن بِهِ عِلّة تَمنعهُ من قبُول الْغذَاء لاتخرجه عَن كَونه مقتضيا لذَلِك حَتَّى يُقَال لَو كَانَ كَذَلِك لذاته لم يتَخَلَّف لِأَن مَا بِالذَّاتِ لَا يتَخَلَّف وَكَذَلِكَ تخلف الِانْتِفَاع بالدواء فِي شدَّة الْحر وَالْبرد وَفِي وَقت تزايد الْعلَّة لَا يُخرجهُ عَن كَونه نَافِعًا فِي ذَاته وَكَذَلِكَ تخلف الِانْتِفَاع باللباس فِي زمن الْحر مثلا لَا يدل على أَنه لَيْسَ فِي ذَاته نَافِعًا وَلَا حسنا فَهَذِهِ قوى الأغذية والأدوية واللباس وَمَنَافع الْجِمَاع وَالنَّوْم تتخلف عَنْهَا آثارها زَمَانا ومكانا وَحَالا وبحسب الْقبُول والاستعداد فَتكون نافعة حَسَنَة فِي زمَان دون زمَان وَمَكَان دون وَحَال دون حَال وَفِي حق طَائِفَة أَو شخص دون غَيرهم وَلم يُخرجهَا ذَلِك عَن كَونهَا مقتضية لآثارها بقواها وصفاتها فَهَكَذَا أوَامِر الرب تبَارك وَتَعَالَى وشرائعه سَوَاء يكون الْأَمر منشأ الْمصلحَة وتابعا للْمَأْمُور فِي وَقت دون وَقت فيأمره بِهِ تبَارك وَتَعَالَى فِي الْوَقْت الَّذِي علم أَنه مصلحَة فِيهِ ثمَّ ينْهَى عَنهُ فِي الْوَقْت الَّذِي يكون فعله فِيهِ مفْسدَة على نَحْو مَا يَأْمر الطَّبِيب بالدواء وَالْحمية فِي وَقت هُوَ مصلحَة للْمَرِيض وينهاه عَنهُ فِي الْوَقْت الَّذِي يكون تنَاوله مفْسدَة لَهُ بل أحكم الْحَاكِمين الَّذِي بهرت حكمته الْعُقُول أولى بمراعاة مصَالح عباده ومفاسدهم فِي الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال والأماكن والأشخاص وَهل وضعت الشَّرَائِع إِلَّا على هَذَا فَكَانَ نِكَاح الْأُخْت حسنا فِي وقته حَتَّى لم يكن بُد مِنْهُ فِي التناسل

<<  <  ج: ص:  >  >>