للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البديهي وَإِذ لَا بديهي فَلَا مرد لَهُ أصلا فَلم يبْق لَهُم إِلَّا الاسترواح إِلَى عادات النَّاس من تَسْمِيَة مَا يضر بهم قبيحا وَمَا يَنْفَعهُمْ حسنا وَنحن لَا ننكر أَمْثَال تِلْكَ الاسامي على أَنَّهَا تخْتَلف بعادة قوم وزمان وَمَكَان دون مَكَان وَإِضَافَة دون إِضَافَة وَمَا يخْتَلف بِتِلْكَ النّسَب والإضافات لَا حَقِيقَة لَهُ فِي الذَّات فَرُبمَا يستحسن قوم ذبح الْحَيَوَان وَرُبمَا يستقبحه قوم وَرُبمَا يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى قوم وزمان حسنا وَرُبمَا يكون قبيحا لَكنا وَضعنَا الْكَلَام فِي حكم التَّكْلِيف بِحَيْثُ يجب الْحسن بِهِ وجوبا يُثَاب عَلَيْهِ قطعا وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ لوم أصلا وَمثل هَذَا يمْتَنع إِدْرَاكه عقلا قَالُوا فَهَذِهِ طَريقَة أهل الْحق على أحسن مَا تقرر وَأحسن مَا تحرر قَالُوا وَأَيْضًا فَنحْن لَا ننكر اشتهار حسن الْفَضَائِل الَّتِي ذكر ضَربهمْ بهَا الْأَمْثَال وقبحها بَين الْخلق وَكَونهَا محمودة مشكورة مثني على فاعلها أَو مذمومه مذموما فاعلها وَلَكنَّا نثبتها إِمَّا بالشرائع وَأما بالأغراض وَنحن إِنَّمَا ننكرها فِي حق الله عز وَجل لانْتِفَاء الْأَغْرَاض عَنهُ فإمَّا إِطْلَاق النَّاس هَذِه الْأَلْفَاظ فِيمَا يَدُور بَينهم فيستمد من الْأَغْرَاض وَلَكِن قد تبدو الْأَغْرَاض وتخفي فَلَا ينتبه لَهَا إِلَّا الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا وَنحن ننبه على مثارات الْغَلَط فِيهِ وَهِي ثَلَاثَة مثارات يغلط الْوَهم فِيهَا الأولى أَن الْإِنْسَان يُطلق اسْم الْقبْح على مَا يُخَالف غَرَضه وَأَن كَانَ يُوَافق غَرَض غَيره من حَيْثُ أَنه لَا يلْتَفت إِلَى الْغَيْر فَإِن كل طبع مشغوف بِنَفسِهِ ومستحقر لغيره فَيَقْضِي بالقبح مُطلقًا وَرُبمَا يضيف الْقبْح إِلَى ذَات الشَّيْء وَيَقُول هُوَ فِي نَفسه قَبِيح فقد قضى بِثَلَاثَة أُمُور هُوَ مُصِيب فِي وَاحِد مِنْهَا وَهُوَ أصل الاستقباح مخطىء فِي أَمريْن أَحدهمَا إِضَافَة الْقبْح إِلَى ذَاته وغفل عَن كَونه قبيحا لمُخَالفَة غَرَضه وَالثَّانِي حكمه بالقبح مُطلقًا ومنشؤه عدم الِالْتِفَات إِلَى غَيره بل عَن الِالْتِفَات إِلَى بعض أَحْوَال نَفسه فَإِنَّهُ قد يستحسن فِي بعض الْأَحْوَال عين مَا يستقبحه إِذا اخْتلف الْغَرَض الغلطة الثَّانِيَة سَببهَا أَن الْوَهم غَالب لِلْعَقْلِ فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَالَة نادرة قد لَا يلْتَفت الْوَهم إِلَى تِلْكَ الْحَالة النادرة عِنْد ذكرهَا كحكمه على الْكَذِب بِأَنَّهُ قَبِيح مُطلقًا وغفلته عَن الْكَذِب الَّذِي يُسْتَفَاد مِنْهُ عصمَة نَبِي أَو ولى وَإِذا قضى بالقبح مُطلقًا وَاسْتمرّ عَلَيْهِ مرّة وتكرر ذَلِك على سَمعه وَلسَانه إنغرس فِي قلبه استقباحه والنفرة مِنْهُ فَلَو وَقعت تِلْكَ الْحَالة النادرة وجد فِي نَفسه نفرة عَنهُ لطول نشوه على الاستقباح فَإِنَّهُ ألقِي إِلَيْهِ مُنْذُ الصِّبَا على سَبِيل التَّأْدِيب والإرشاد أَن الْكَذِب قَبِيح لَا يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهِ أحد وَلَا يُنَبه على حسنه فِي بعض الْأَحْوَال خيفة من أَن لَا تستحكم نفرته عَن الْكَذِب فَيقدم عَلَيْهِ وَهُوَ قَبِيح فِي أَكثر الْأَحْوَال وَالسَّمَاع فِي الصغر كالنقش فِي الْحجر وينغرس فِي النَّفس ويجد التَّصْدِيق بِهِ مُطلقًا وَهُوَ صدق لَكِن لَا على الْإِطْلَاق بل فِي أَكثر الْأَحْوَال اعتقده مُطلقًا الغلطة الثَّالِثَة سَببهَا سبق الْوَهم إِلَى الْعَكْس فَأن من رأى شَيْئا مَقْرُونا بِشَيْء يظنّ أَن الشَّيْء لَا محَالة مقرون بِهِ مُطلقًا وَلَا يدْرِي أَن الْأَخَص أبدا مقرون الأعمبالأعم لَا يلْزم

<<  <  ج: ص:  >  >>