للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هَذَا وَلِهَذَا أنكر الله سُبْحَانَهُ على من جوز عقله مثل هَذَا ونزه نَفسه عَنهُ فَقَالَ تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} قَالَ الشَّافِعِي معطلا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى وَقيل لَا ثِيَاب وَلَا يُعَاقب وَقَالَ تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} ثمَّ نزه نَفسه عَن هَذَا الظَّن الْكَاذِب وَأَنه لَا يَلِيق بِهِ وَلَا يجوز فِي الْعُقُول نِسْبَة مثله إِلَيْهِ لمنافاته لحكمته وربوبيته والهيته وحمده فَقَالَ {فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم} وَقَالَ تَعَالَى وَمَا خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ وَفسّر الْحق بالثواب وَالْعِقَاب وَفسّر بِالْأَمر وَالنَّهْي وَهَذَا تَفْسِير لَهُ بِبَعْض مَعْنَاهُ وَالصَّوَاب أَن الْحق هُوَ ألهيته وحكمته المتضمنة لِلْخلقِ وَالْأَمر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فمصدر ذَلِك كُله الْحق وبالحق وجد وبالحق قَامَ وغايته الْحق وَبِه قِيَامه فمحال أَن يكون على غير هَذَا الْوَجْه فانه يكون بَاطِلا وعبثا فتعالى الله عَنهُ لمنافاته ألهيته وحكمته وَكَمَال ملكه وحمده وَقَالَ تَعَالَى أَن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآياب لأولى الْأَلْبَاب الَّذِي يذكرُونَ الله قيَاما وقعودا وعَلى جنُوبهم ويتفكرون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فقنا عَذَاب النَّار وَتَأمل كَيفَ أخبر سُبْحَانَهُ عَنهُ بِنَفْي الباطلية عَن خلقه دون إِثْبَات الْحِكْمَة لِأَن بَيَان نفي الْبَاطِل على سَبِيل الْعُمُوم والاستغراق أوغل فِي الْمَعْنى الْمَقْصُود وأبلغ من إِثْبَات الحكم لِأَن بَيَان جَمِيعهَا لَا يَفِي بِهِ إفهام الخليقة وَبَيَان الْبَعْض يُؤذن بتناهي الْحِكْمَة وَنفى الْبطلَان والخلو عَن الْحِكْمَة والفائدة تفِيد أَن كل جُزْء من أَجزَاء الْعَالم عُلْوِيَّهُ وسفليه مُتَضَمّن لحكم جمة وآيات باهرة ثمَّ أخبر سُبْحَانَهُ عَنْهُم بتنزيهه عَن الْخلق بَاطِلا خلوا عَن الْحِكْمَة وَلَا معنى لهَذَا التَّنْزِيه عِنْد النفاة فان الْبَاطِل عِنْدهم هُوَ الْمحَال لذاته فعلى قَوْلهم نزهوه عَن الْمحَال لذاته الَّذِي لَيْسَ بِشَيْء كالجمع بَين النقيضين وَكَون الْجِسْم الْوَاحِد لَا يكون فِي مكانين وَمَعْلُوم قطعا أَن هَذَا لَيْسَ مُرَاد الرب تَعَالَى مِمَّا نزه نَفسه عَنهُ وَأَنه لَا يمدح أحد بتنزيهه عَن هَذَا وَلَا يكون المنزه بِهِ مثنيا وَلَا حامدا وَلم يخْطر هَذَا بقلب بشر حَتَّى يُنكره الله على من زَعمه وَنسبه إِلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى وَمَا خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ فنفى اللّعب عَن خلقه وَأثبت أَنه إِنَّمَا خلقهما بِالْحَقِّ فَجمع تَعَالَى بَين نفي اللّعب الصَّادِر عَن غير حِكْمَة وَغَايَة محمودة واثبات الْحق المتضمن للْحكم والغايات المحمودة والعواقب المحبوبة وَالْقُرْآن مَمْلُوء من هَذَا بِنَفْي الْعَبَث وَالْبَاطِل واللعب تَارَة وتنزيه الرب نَفسه عَنهُ تَارَة واثبات الحكم الباهرة فِي خلقه تَارَة كَيفَ يجوز أَن يُقَال أَنه لَو عطل خلقه وتركهم سدى لم يكن ذَلِك قبيحا فِي الْعقل فان عنيتم أَنه يلقى إِلَيْهِ زِمَام الِاخْتِيَار مَعَ أمره وَنَهْيه فَهَذَا حق فانه جعله مُخْتَارًا مَأْمُورا مَنْهِيّا وان كَانَ اخْتِيَاره مخلوقا لَهُ تَعَالَى إِذْ هُوَ من جملَة الْحَوَادِث الصادرة عَن خلقه وَلَكِن

<<  <  ج: ص:  >  >>