للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِتْلَاف بأزاء إِتْلَاف وعدوان فِي مُقَابلَة عدوان فَكَذَلِك هُوَ لَكِن إِتْلَاف حسن هُوَ مصلحَة وَحِكْمَة وَصَلَاح للْعَالم فِي مُقَابلَة إِتْلَاف هُوَ فَسَاد وسفه وخراب للْعَالم فَأنى يستويان أم كَيفَ يعتدلان حَتَّى يتحير الْعقل بَين الْإِتْلَاف الْحسن وَتَركه وقولكم لَا يحيا الاول بقتل الثَّانِي قُلْنَا يحيا بِهِ عدد كثير من النَّاس إِذْ لَو ترك وَلم يُؤْخَذ على يَدَيْهِ لأهْلك النَّاس بَعضهم بَعْضًا فَإِن لم يكن فِي قتل الثَّانِي حَيَاة للْأولِ فَفِيهِ حَيَاة الْعَالم كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الالباب لَكِن هَذَا الْمَعْنى لَا يُدْرِكهُ حق الأدراك إِلَّا الوا الالباب فَأَيْنَ هَذِه الشَّرِيعَة وَهَذِه الْحِكْمَة وَهَذِه الْمصلحَة من هَذَا الهذيان الْفَاسِد وَأَن يُقَال قتل الْجَانِي إِتْلَاف بِإِزَاءِ اتلاف وعدوان فِي مُقَابلَة عدوان فَيكون قبيحا لَوْلَا الشَّرْع فوازن بَين هَذَا وَبَين مَا شَرعه الله وَجعل مصَالح عبَادَة منوطة بِهِ وقولكم فِيهِ تَكْثِير الْمفْسدَة بإعدام النفسين فَيُقَال لَو اعطيتم رتب الْمصَالح والمفاسد حَقّهَا لم ترضوا بِهَذَا الْكَلَام الْفَاسِد فَإِن الشَّرَائِع وَالْفطر والعقول متفقة على تَقْدِيم الْمصلحَة الراحجة وعَلى ذَلِك قَامَ الْعَالم وَمَا نَحن فِيهِ كَذَلِك فَإِنَّهُ احْتِمَال لمفسده إِتْلَاف الْجَانِي إِلَى هَذِه الْمفْسدَة الْعَامَّة فَمن تحير عقله بَين هذَيْن المفسدتين فلفساد فِيهِ والعقلاء قاطبة متفقون على أَنه يحسن إِتْلَاف جُزْء لِسَلَامَةِ كل كَقطع الاصبع أَو الْيَد المتأكلة لِسَلَامَةِ سَائِر الْبدن وَلذَلِك يحسن الايلام لدفع إيلام أعظم مِنْهُ كَقطع الْعُرُوق وبط الْخراج وَنَحْوه فَلَو طرد الْعُقَلَاء قياسكم هَذَا الْفساد وَقَالُوا هَذَا إيلام مُحَقّق لدفع إيلام متوهم لفسد الْجَسَد جملَة وَلَا فرق عِنْد الْعُقُول بَين هَذَا وَبَين قياسكم فِي الْفساد

الْوَجْه السَّادِس وَالْخَمْسُونَ قَوْلكُم أَن مصلحَة الردع والزجر وإحياء النَّوْع أَمر متوهم كَلَام بَين فَسَاده بل هُوَ أَمر مُتَحَقق وُقُوعه عَادَة وَيدل عَلَيْهِ مَا نشاهده من الْفساد الْعَام عِنْد ترك الجناة والمفسدين وإهمالهم وَعدم الاخذ على ايديهم والمتوهم من زعم أَن ذَلِك موهوم وَهُوَ بِمَثَابَة من دهمه الْعَدو فَقَالَ لَا نعرض أَنْفُسنَا لمَشَقَّة قِتَالهمْ فَإِنَّهُ مفْسدَة متحققة وَأما استيلاؤهم على بِلَادنَا وَسَبْيهمْ ذرارينا وَقتل مقاتلنا فموهوم

فيا لَيْت شعري من الواهم المخطيء فِي وهمه وَنَظِيره أَيْضا أَن الرجل إِذا تبيغ بِهِ الدَّم وتضرر إِلَى اخراجه لَا يتَعَرَّض لشق جلده وَقطع عروقه لِأَنَّهُ ألم مُحَقّق لَا موهوم وَلَو اطرد هَذَا الْقيَاس الْفَاسِد لخرب الْعَالم وتعطلت الشَّرَائِع والاعتماد فِي طلب مصَالح الدَّاريْنِ وَدفع مفاسدهما مَبْنِيّ على هَذَا الَّذِي سميتموه أَنْتُم موهوما فالعمال فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يتصرفون بِنَاء على الْغَالِب الْمُعْتَاد الَّذِي اطردت بِهِ الْعَادة وَإِن لم يجزموا بِهِ فَإِن الْغَالِب صدق الْعَادة واطرادها عِنْد قيام أَسبَابهَا فالتاجر يحمل مشقة السّفر فِي الْبر وَالْبَحْر بِنَاء على أَنه يسلم ويغنم فَلَو طرد هَذَا الْقيَاس الْفَاسِد وَقَالَ السّفر مشقة متحققة وَالْكَسْب مر موهوم لتعطلت أسفار النَّاس بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَلِكَ عُمَّال الْآخِرَة لَو قَالُوا تَعب الْعَمَل ومشقة

<<  <  ج: ص:  >  >>