للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَكَة الْوَاحِدَة مُشْتَمِلَة على صِفَات متناقضة وأحوال متنافرة فَيُقَال وَمَا الَّذِي يحِيل أَن يكون الْفِعْل مُشْتَمِلًا على صفتين مختلفتين تَقْتَضِي كل مِنْهُمَا أثرا غير الْأَثر الآخر وَتَكون إِحْدَى الصفتين والأثرين أولى بِهِ وَتَكون مصْلحَته أرجح فَإِذا رتب على صفته الْأُخْرَى أَثَرهَا فَاتَت الْمصلحَة الراجحة الْمَطْلُوبَة شرعا وعقلا بل هَذَا هُوَ الْوَاقِع وَنحن نجد هَذَا حسا فِي قوى الأغذية والأدوية وَنَحْوهَا من صِفَات الْأَجْسَام الحسية المدركة بالحس فَكيف بِصِفَات الْأَفْعَال المدركة بِالْعقلِ وأمثلة ذَلِك فِي الشَّرِيعَة تزيد على الْألف فَهَذِهِ الصَّلَاة فِي وَقت النَّهْي فِيهَا مصلحَة تَكْثِير الْعِبَادَة وَتَحْصِيل الأرباح ومزيد الثَّوَاب والتقرب إِلَى رب الأرباب وفيهَا مفْسدَة المشابهة بالكفار فِي عبَادَة الشَّمْس وَفِي تَركهَا مصلحَة سد ذَرِيعَة الشّرك وفطم النُّفُوس عَن المشابهة للْكفَّار حَتَّى فِي وَقت الْعِبَادَة وَكَانَت هَذِه الْمفْسدَة أولى بِالصَّلَاةِ فِي أَوْقَات النَّهْي من مصلحتها فَلَو شرعت لما فِيهَا من الْمصلحَة لفاتت مصلحَة التّرْك وحصلت مفْسدَة المشابهة الَّتِي هِيَ أقوى من مصلحَة الصَّلَاة حِينَئِذٍ وَلِهَذَا كَانَت مصلحَة أَدَاء الْفَرَائِض فِي هَذِه الْأَوْقَات أرجح من مفْسدَة المشابهة بِحَيْثُ لما انغمرت هَذِه الْمفْسدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَرِيضَة لم يمْنَع مِنْهَا بِخِلَاف النَّافِلَة فان فِي فعلهَا فِي غير هَذِه الْأَوْقَات غنية عَن فعلهَا فِيهَا فَلَا تفوت مصلحتها فَيَقَع فعلهَا فِي وَقت النَّهْي مفْسدَة راجحة وَمن هَاهُنَا جوز كثير من الْفُقَهَاء ذَوَات الْأَسْبَاب فِي وَقت النَّهْي لترجح مصلحتها فَأَنَّهَا لَا تقضى وَلَا يُمكن تداركها وَكَانَت مفْسدَة تفويتها أرجح من مفْسدَة المشابهة الْمَذْكُورَة وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع استقصاء هَذِه الْمَسْأَلَة فَمَا الَّذِي يحِيل اشْتِمَال الْحَرَكَة الْوَاحِدَة على صِفَات مُخْتَلفَة بِهَذِهِ المثابة وَيكون بَعْضهَا أرجح من بعض فَيقْضى للراجح عقلا وَشرعا وعَلى هَذَا الْمِثَال مسَائِل عَامَّة للشريعة وَلَوْلَا إلاطالة لكتبنا مِنْهَا مَا يبلغ ألف مِثَال والعالم ينتبه بالجزئيات للقاعدة الْكُلية

الْوَجْه السِّتُّونَ قَوْلكُم وَلَيْسَ معنى قَوْلنَا أَن الْعقل استنبط مِنْهَا أَنَّهَا كَانَت مَوْجُودَة فِي الشَّيْء فاستخرجها الْعقل بل الْعقل تردد بَين إضافات الْأَحْوَال بَعْضهَا إِلَى بعض وَنسب الحركات والأشخاص نوعا إِلَى نوع وشخصا إِلَى شخص فطرأ عَلَيْهِ من تِلْكَ الْمعَانِي مَا حكيناه وَرُبمَا يبلغ مبلغا يشذ عَن الإحصاء فَعرف أَن الْمعَانِي لم ترجع إِلَى الذَّات بل إِلَى مُجَرّد الخواطر وَهِي متعارضة فَيُقَال يَا عجبا لعقل يروج عَلَيْهِ مثل هَذَا الْكَلَام ويبنى عَلَيْهِ هَذِه الْقَاعِدَة الْعَظِيمَة وَذَلِكَ بِنَاء على شفا جرف هار وَقد تقدم مَا يكفى فِي بطلَان هَذَا الْكَلَام ونزيدها هُنَا أَنه كَلَام فَاسد لفظا وَمعنى فان الاستنباط هُوَ اسْتِخْرَاج الشَّيْء الثَّابِت الْخَفي الَّذِي لَا يعثر عَلَيْهِ كل أحد وَمِنْه استنباط المَاء وَهُوَ استخراجه من مَوْضِعه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول والى أولى المر مِنْهُم لعلمه الَّذِي يستنبطونه مِنْهُم أَي يستخرجون حَقِيقَته وتدبيره بفطنهم وذكائهم وَإِيمَانهمْ ومعرفتهم بمواطن الْأَمْن وَالْخَوْف

<<  <  ج: ص:  >  >>