للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَصح معنى إِلَّا فِي شَيْء ثَابت لَهُ حَقِيقَة خُفْيَة يستنبطها الذِّهْن ويستخرجها فَأَما مَا لَا حَقِيقَة لَهُ فانه مُجَرّد ذهنه فَلَا استنباط فِيهِ بِوَجْه وَأي شَيْء يستنبط مِنْهُ وانما هُوَ تَقْدِير وَفرض وَهَذَا لَا يُسمى استنباطا فِي عقل وَلَا لُغَة وَحِينَئِذٍ فيقلب الْكَلَام عَلَيْكُم وَيكون من يقلبه أسعد بِالْحَقِّ مِنْكُم فَنَقُول وَلَيْسَ معنى قَوْلنَا أَن الْعقل استنبط من تِلْكَ الْأَفْعَال أَن ذَلِك مُجَرّد خواطر طارئة وانما مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَت مَوْجُودَة فِي الْأَفْعَال فاستخرجها الْعقل باستنباطه كَمَا يسْتَخْرج المَاء الْمَوْجُود من الأَرْض باستنباطه وَمَعْلُوم أَن هَذَا هُوَ الْمَعْقُول المطابق لِلْعَقْلِ واللغه وَمَا ذكرتموه فخارج عَن الْعقل واللغة جَمِيعًا فَعرف أَنه لَا يَصح معنى الاستنباط إِلَّا لشَيْء مَوْجُود يَسْتَخْرِجهُ الْعقل ثمَّ ينْسب إِلَيْهِ أَنْوَاع تِلْكَ الْأَفْعَال وأشخاصها فان كَانَ أولى بِهِ حكم لَهُ بالاقتضاء والتأثير وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُول وَهُوَ الَّذِي يعرضه الْفُقَهَاء والمتكلمون على مناسبات الشَّرِيعَة وأوصافها وعللها الَّتِي ترْبط بهَا الْأَحْكَام فَلَو ذهب هَذَا من أَيْديهم لَا نسد عَلَيْهِم بَاب الْكَلَام فِي الْقيَاس والمناسبات وَالْحكم واستخراج مَا تضمنته الشَّرِيعَة من ذَلِك وَتَعْلِيق الْأَحْكَام بأوصافها الْمُقْتَضِيَة لَهَا إِذا كَانَ مرد الْأَمر بزعمكم إِلَى مُجَرّد خواطر طارئة على الْعقل وَمُجَرَّد وضع الذِّهْن وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل وَأبين الْمحَال وَلَقَد أنصفكم خصومكم فِي ادعائهم عَلَيْكُم لَازم هَذَا الْمَذْهَب وَقَالُوا لَو رفع الْحسن والقبح من الْأَفْعَال الإنسانية إِلَى مُجَرّد تعلق الْخطاب بهَا لبطلت الْمعَانِي الْعَقْلِيَّة الَّتِي تستنبط من الْأُصُول الشَّرْعِيَّة فَلَا يُمكن أَن يُقَاس فعل على فعل وَلَا قَول على قَول وَلَا يُمكن أَن يُقَال لم كَانَ كَذَا أذلا تَعْلِيل للذوات وَلَا صِفَات للأفعال هِيَ عَلَيْهَا فِي نفس الْأَمر حَتَّى ترتبط بهَا الْأَحْكَام وَذَلِكَ رفع للشرائع بِالْكُلِّيَّةِ من حَيْثُ إِثْبَاتهَا لَا سِيمَا والتعلق أَمر عدمي وَلَا معتنى لحسن الْفِعْل أَو قبحه إِلَّا التَّعَلُّق العدمي بَينه وَبَين الْخطاب فَلَا حسن فِي الْحَقِيقَة وَلَا قبح لَا شرعا وَلَا عقلا لَا سِيمَا إِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك نفى فعل العَبْد واختياره بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنه مجبوب مَحْض فَهَذَا فعله وَذَلِكَ صفة فعله فَلَا فعل لَهُ وَلَا وصف لقَوْله الْبَتَّةَ فَأَي تَعْطِيل وَرفع للشرائع أَكثر من هَذَا فَهَذَا إلزامهم لكم كَمَا أَنكُمْ الزمتموهم نَظِير ذَلِك فِي نفي صفة الْكَلَام وأنصفتموهم فِي الْإِلْزَام الْوَجْه الْحَادِي وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم لَو ثَبت الْحسن والقبح العقليين لتَعلق بهما الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم شَاهدا وغائبا وَاللَّازِم محَال فالملزوم كَذَلِك إِلَى آخِره فَنَقُول الْكَلَام هَاهُنَا فِي مقامين أَحدهمَا فِي التلازم الْمَذْكُور بَين الْحسن والقبح العقليين وَبَين الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم غَائِبا وَالثَّانِي فِي انْتِفَاء اللَّازِم وثبوته فَأَما الْمقَام الأول فلمثبتي الْحسن والقبح طَرِيقَانِ أَحدهمَا ثُبُوت التلازم وَالْقَوْل باللازم وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَعْرُوف عَن الْمُعْتَزلَة وَعَلِيهِ يناظرون وَهُوَ القَوْل الَّذِي نصب خصومهم الْخلاف مَعَهم فِيهِ وَالْقَوْل الثَّانِي إِثْبَات الْحسن والقبح فانهم يَقُولُونَ بإثباته ويصرحون بِنَفْي الْإِيجَاب قبل الشَّرْع على العَبْد وبنفي

<<  <  ج: ص:  >  >>